كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي حشيشة

صفحة 62 - الجزء 23

  كيف يرجو البيض من أوّله ... في عيون البيض شيب وجلا⁣(⁣١)

  كان كحلا لمآقيها فقد ... صار بالشيب لعينيها قذى

  الشعر لدعبل، والغناء لمحمد بن حسين بن محرز رمل بالوسطى.

  قال أبو حشيشة: وكان مخارق قد نهاني أن أغنّي ما فيه ذكر الشيب من هذا الشعر، وأن اقتصر على البيتين الأوّلين؛ لأن المأمون كان يشتدّ عليه ذكر الشيب، / ويكرهه جدّا من المغنّين، وأمر ألَّا يغنّيه أحد بشعر قيل في الشيب أو فيه ذكر له، فسكرت يوما، فمررت في الشعر كلَّه، فقال: يا مخارق، ألا تحسن أدب هذا الفتى! فنقفني⁣(⁣٢) مخارق نقفة صلبة، فما عدت بعدها لذكر شيء فيه الشيب.

  لكل خليفة صوت يحبه:

  وذكر أبو حشيشة في كتابه هذا مما كان يشتهيه عليه المأمون وغيره من الخلفاء أصواتا كثيرة، ولا فائدة في ذكرها هاهنا لأنها طويلة، فذكرت مما كان يختاره عليه كلّ خليفة صوتا. قال أبو حشيشة: كان المعتصم يشتهي عليّ:

  صوت

  أسرفت في سوء الصنيع ... وفتكت بي فتك الخليع

  وولعت بي متمرّدا ... والعذر في طرف الولوع⁣(⁣٣)

  صيّرت حبّك شافعا ... فأتيت من قبل الشّفيع

  الشعر لأصرم بن حميد، والغناء لأبي حشيشة.

  قال: وكان الواثق يختار من غنائي:

  يا تاركي متلدّد الع ... وّاد جذلان العداة⁣(⁣٤)

  انظر إليّ بعين را ... ض نظرة قبل الممات

  خلَّيتني بين الوعي ... د وبين ألسنة الوشاة

  ماذا يرجّي بالحيا ... ة منغّص روح الحياة؟

  الشعر لمحمد بن سعيد الأسديّ، والغناء لأبي حشيشة خفيف رمل.

  قال: وكان المتوكَّل يحبّني، ويستخفّني، وكانت أغانيه التي يشتهيها عليّ كثيرة منها:


(١) شيب وجلا: انحسار مقدم الشعر، أو هو دون الصلع.

(٢) النقف: أشد الضرب بعصا نحوها.

(٣) في هج: «طرق» بدل «طرف».

(٤) متلدد العواد: متحير الزائرين.