كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عنان

صفحة 70 - الجزء 23

  التّخثّر⁣(⁣١) في وجهه، فقال لنا: استبقا إلى بيت بل إلى أبيات، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم، قال:

  فأشفقت⁣(⁣٢)، ومنعتني هيبته، قال: فقال أبو حفص:

  كلَّما دارت الزجاجة زادت ... هـ اشتياقا وحرقة فبكاك

  فقال: أحسنت فلك عشرة آلاف درهم.

  قال: فزالت الهيبة عني، فقلت:

  لم ينلك الرجاء أن تحضريني ... وتجافت أمنيّتي عن سواك⁣(⁣٣)

  فقال: للَّه درّك! لك عشرون ألف درهم، قال: فأطرق مليّا، ثم رفع رأسه إليّ، فقال: أنا واللَّه أشعر منكما، ثم قال:

  فتمنّيت أن يغشّيني اللَّا ... هـ نعاسا لعلّ عيني تراك

  الأصمعي يصرف الرشيد عنها:

  أخبرني ابن عمار والأخفش قالا: حدّثنا محمد بن يزيد عن المازني: قال:

  قال الأصمعيّ: بعثت إليّ أمّ جعفر أن أمير المؤمنين قد لهج بذكر هذه الجارية عنان، فإن صرفته عنها فلك حكمك. قال: فكنت أريغ⁣(⁣٤) لأن أجد للقول فيها موضعا، فلا أجده، ولا أقدم عليه هيبة له، إذ دخلت يوما فرأيت في وجهه أثر الغضب، فانخزلت، فقال: مالك يا أصمعيّ؟ قلت: رأيت في وجه أمير المؤمنين أثر غضب، فلعن اللَّه من أغضبه! فقال: هذا الناطفيّ واللَّه، لولا أني لم أجر في حكم قطَّ متعمّدا لجعلت على كل جبل منه قطعة، ومالي في جاريته أرب غير الشعر، فذكرت رسالة أمّ جعفر، فقلت له: أجل واللَّه ما فيها غير / الشعر، أفيسرّ أمير المؤمنين أن يجامع الفرزدق؟ فضحك حتى استلقى، واتّصل قولي بأم جعفر فأجزلت لي الجائزة.

  الرشيد يلح في طلبها:

  أخبرني عمي والحسن بن عليّ، قالا: حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدّثني محمد بن هارون، عن يعقوب بن إبراهيم:

  أن الرشيد طلب من الناطفيّ جاريته، فأبى أن يبيعها بأقلّ من مائة ألف دينار، فقال: أعطيك مائة ألف دينار على أن تأخذ بالدينار سبعة دراهم، فامتنع عليه، وأمر أن تحمل إليه، فذكروا أنها دخلت مجلسه، فجلست في هيئتها تنتظره فدخل عليها، فقال لها: ويلك! إن هذا قد اعتاص عليّ في أمرك، قالت: وما يمنعك أن توفيه وترضيه؟ فقال: ليس يقنع بما أعطيه، وأمرها بالانصراف. فبلغني أن الناطفيّ تصدّق بثلاثين ألف درهم حين رجعت إليه، فلم تزل في قلب الرشيد حتى مات مولاها، فلما مات بعث مسرورا الخادم، فأخرجها إلى باب الكرخ،


(١) التخثر: غثيان النفس.

(٢) هج: «فانثنينا» بدل «فأشفقت».

(٣) في هد: «لم ينلني» بدل «لم ينلك».

(٤) أريغ: أطلب.