أخبار الحسن بن وهب
  يتباهون بحفظ أشعاره:
  أخبرني عمي: قال: حدّثني عمر بن نصر الكاتب، وكان من مشايخ الكتّاب بسرّ من رأى، قال:
  كنا نتهادى ونحن في الديوان أشعار الحسن بن وهب، ونتباهى بحفظها، قال: وأنشدني له، وكتب بها إلى أخيه سليمان بن وهب من مدينة السّلام وهو محبوس في أيام الواثق:
  خطب أبا أيوب جلّ محلَّه ... فإذا جزعت من الخطوب فمن لها؟
  إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يحسن حلَّها
  فاصبر لعلّ الصبر يفتق ما ترى ... وعسى بها أن ينجلي ولعلَّها
  قال: وكتب إليه أيضا وهو في الحبس بسرّ من رأى:
  خليليّ من عبد المدان تروّحا ... ونصّا صدور العيس حسرى وطلَّحا(١)
  فإنّ سليمان بن وهب ببلدة ... أصاب صميم القلب منّي فأقرحا
  أسائل عنه الحارسين لحبسه ... إذا ما أتوني: كيف أمسى وأصبحا!
  فلا يهنئ الأعداء أسر ابن حرّة ... يراه العدا أندى يمينا وأسمحا
  وأنهض للأمر الجليل بعزمة ... وأقرع للباب الأصمّ وأفتحا
  أخبرني محمد بن يحيى الصوليّ: قال: حدّثني محمد بن موسى بن حماد: قال:
  / وجّه الحسن بن وهب إلى أبي تمام وهو بالموصل خلعا فيها خزّ ووشي، فامتدحه بقصيدة أولها:(٢)
  أبو عليّ وسميّ منتجعه ... فاحلل بأعلى واديه أو جرعه
  ثم وصف الخلعة فقال:
  وقد أتاني الرسول بالملبس ال ... فخم لصيف امرئ ومرتبعه
  لو أنها جلَّلت أويسا لقد ... أسرعت الكبرياء في ورعه
  رائق خزّ أجيد سابره ... سكب تدين الصّبا لمدّرعه
  وسرّ وشي كأنّ شعري أحيا ... نا نسيب العيون من بدعه
  تركتني ساهر الجفون على ... أزلم دهر بحسنها جذعه
  - يعني الدهر، والدهر يقال له: الأزلم الجذع، والأزلم: الطويل، والجذع: الجديد: يقول: هو قديم سالف، ويومه جديد، قال لقيط الإياديّ:
  يا قوم بيضتكم لا تفضحنّ بها ... إني أخاف عليها الأزلم الجذعا(٣)
  -
(١) النص: استخراج جهد الناقة في السير، وحسر وطلح البعير: أعيا وتعب.
(٢) الأبيات في «الديوان» ٢/ ٣٤٣ - ٣٤٨.
(٣) بيضة البلد: ما يحافظ عليها ويحمي حقيقتها. وفي ف: «لا تفجعن».