أخبار محمد بن الحارث
  إلا ما تحبّ، وطالت صحبته له، حتى أمنه وأنس به، وكان محمد يغني بالمعزفة فنقله أبي إلى العود، وواظب عليه حتى حذقه، ثم قال له محمد بن الحارث يوما: أنا عبدك وخرّيجك وصنيعتك، فاخصصني بأن أروي عنك صنعتك، ففعل، وألقى عليه غناءه أجمع، فأخذه عنه، فما ذهب عليه شيء منه ولا شذّ.
  يغني للواثق:
  وقال العتّابي: حدّثني محمد بن أحمد بن المكيّ: قال: حدّثني أبي: قال:
  كان محمد بن الحارث قليل الصنعة، وسمعته يغنّي الواثق في صنعته في شعر له مدحه به وهو:
  أمنت بإذن اللَّه من كلّ حادث ... بقربك من خير الورى يا بن حارث
  فأمر له بألفي دينار.
  وذكر عليّ بن محمد الهشامي، عن حمدون بن إسماعيل، قال: كان محمد بن الحارث قد صنع هزجا في هذا الشعر:
  صوت
  أصبحت عبدا مسترقا ... أبكي الألى سكنوا دمشقا(١)
  أعطيتهم قلبي فمن ... يبقى بلا قلب فأبقى
  يهب لحنه لغيره:
  وطرحه على المسدود(٢)، فغنّاه، فاستحسنه محمد بن الحارث منه لطيب مسموع المسدود، ثم قال:
  يا مسدود، أتحبّ أن أهبه لك؟ قال: نعم، قال: قد فعلت، فكان يغنّيه، ويدّعيه، وهو لمحمد بن الحارث.
  من ألحانه العشرة:
  وقال العتّابي: حدّثني شروين المغني المدادي(٣). أن صنعة محمد بن الحارث بلغت عشرة أصوات، وأنه أخذها كلَّها عنه، وأن منها في طريقه الرّمل، قال: وهو أحسن ما صنعه.
  صوت
  أيا من دعاني فلبيّته ... ببذل الهوى وهو لا يبذل
  يدلّ عليّ بحبّي له ... فمن ذاك يفعل ما يفعل
  لحن محمد بن الحارث في هذا الصوت رمل مطلق، وفيه ليزيد حوراء ثقيل أول وفيه لسليم لحن وجدته في جميع أغانيه غير مجنّس.
(١) في ف: «أشكو» بدل «أبكي».
(٢) في س، ب: «المستورد» بدل «المسدود».
(٣) كذا بالأصول ولعلها المذاري نسبة إلى «مذار»، قرية بين واسط والبصرة.