كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن الحارث

صفحة 133 - الجزء 23

  مع ابن العباس الربيعي:

  أخبرني الحسن بن عليّ: قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد: قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمد، عن عمرو بن بانة: قال:

  كنت عند محمد بن الحارث بن بسخنّر في منزله، ونحن مصطبحون في يوم غيم، فبينا نحن كذلك إذ جاءتنا رقعة عبد اللَّه بن العباس الربيعيّ، وقد اجتاز بنا مصعدا إلى سرّ من رأى، وهو في سفينة، ففضّها محمد، وقرأها، وإذا فيها:

  /

  محمد قد جادت علينا بودقها ... سحائب مزن برقها يتهلَّل

  ونحن من القاطول في شبه مربع ... له مسرح سهل المحلَّة مبقل⁣(⁣١)

  فمر فائزا تفديك نفسي يغنّني ... أعن ظعن الحيّ الألى كنت تسأل؟

  ولا تسقني إلا حلالا فإنّني ... أعاف من الأشياء ما لا يحلَّل

  فقام محمد بن الحارث مستعجلا حافيا، حتى نزل إليه فتلقّاه، وحلف عليه حتى خرج معه، وسار به إلى منزله، فاصطبحا يومئذ، وغنّاه فائز غلامه هذا الصوت، وكان صوته عليه، وغنّاه محمد بن الحارث وجواريه وكل من حضر يومئذ، وغنّانا عبد اللَّه بن العباس الربيعي أيضا أصواتا وصنع يومئذ هذا الهزج، فقال:

  يا طيب يومي بالمطيرة معملا ... للكأس عند محمد بن الحارث⁣(⁣٢)

  في فتية لا يسمعون لعاذل ... قولا ولا لمسوّف أو رائث

  عجائز أبيه أساتذة مخارق:

  حدّثني وسواسه⁣(⁣٣): قال: حدّثني حماد بن إسحاق: قال:

  كان أبي يستحسن غناء جواري الحارث بن بسخنّر، ويعتمد على تعليمهنّ لجواريه، وكان إذا اضطرب على واحدة منهنّ أو على غيرهن صوت، أو وقع فيه اختلاف، اعتمد على الرجوع فيه إليهنّ. ولقد غنّى مخارق يوما بين يديه صوتا، فتزايد فيه الزوائد التي كان يستعملها، حتى اضطرب. فضحك أبي، وقال: يا أبا المهنّأ، قد ساء بعدي أدبك في غنائك فالزم عجائز الحارث بن بسخنّر يقوّمن أودك.

  صوت

  بنان يد تشير إلى بنان ... تجاوبتا وما يتكلَّمان

  جرى الإيماء بينهما رسولا ... فأحكم وحيه المتناجيان

  فلو أبصرته لغضضت طرفا ... عن المتناجيين بلا لسان

  الشعر لماني⁣(⁣٤) الموسوس، والغناء لعمر الميداني هرج، وفيه لعريب لحن من الهزج أيضا.


(١) «القاطول»: موضع على دجلة، وفي ف: «متربع».

(٢) المطيرة: قرية من نواحي سامراء وكانت من متنزهات بغداد.

(٣) اسمه: محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصلي.

(٤) ب: «لمان».