كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ماني الموسوس

صفحة 136 - الجزء 23

  هذيانهم، ويسلَّطهم على المشايخ فيصفعونهم في الصوامع إذا أذّنوا، حتى صرت إلى منزله، فاعتذرت وحلفت أني إنما أكتب شيئا من شعره، وما عرفت ما عمله ولا أحيط به علما.

  الجارية تغني وهو يضيف:

  ونسخت من كتاب لابن البراء: حدّثني أبي قال: عزم محمد بن عبد اللَّه بن طاهر على الصّبوح، وعنده الحسن بن محمد بن طالوت، فقال:⁣(⁣١) له محمد: كنا نحتاج أن يكون معنا ثالث نأنس به ونلذّ في مجاورته فمن ترى أن يكون! فقال ابن طالوت: لقد خطر ببالي رجل ليس علينا في منادمته ثقل، قد خلا من إبرام المجالسين، وبرئ من / ثقل المؤانسين، خفيف الوطأة إذا أدنيته، سريع الوثبة إذا أمرته، قال: من هو؟ قال: ماني الموسوس، قال: ما أسأت الاختيار، ثم تقدّم إلى صاحب الشّرطة يطلبه وإحضاره، فما كان بأسرع من أن قبض عليه صاحب الشرطة⁣(⁣٢) بربع الكرخ فوافى به باب محمد بن عبد اللَّه، فأدخل، ونظَّف وأخذ من شعره، وألبس ثيابا نظافا، وأدخل على محمد بن عبد اللَّه، فلما مثل بين يديه سلَّم، فردّ عليه، وقال له: أما حان لك أن تزورنا مع شوقنا إليك؟ فقال له ماني: أعزّ اللَّه الأمير: الشوق شديد، والودّ عتيد، والحجاب صعب، والبواب فظَّ، ولو تسهّل لنا الإذن لسهلت علينا الزيارة، فقال له محمد: لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس. فجلس، وقد كان أطعم قبل أن يدخل، فأتى محمد بن عبد اللَّه بجارية لإحدى بنات المهديّ، يقال لها: منوسة، وكان يحبّ السماع منها، وكانت تكثر أن تكون عنده، فكان أول ما غنّته:

  ولست بناس إذ غدوا فتحمّلوا ... دموعي على الخدّين من شدّة الوجد

  وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تحدى لا يكن آخر العهد⁣(⁣٣)

  فقال ماني: أيأذن لي الأمير؟ قال: في ماذا؟ قال: في استحسان ما أسمع، قال: نعم، قال: أحسنت واللَّه، فإن رأيت أن تزيدي مع هذا الشعر هذين البيتين:

  وقمت أداري الدمع والقلب حائر ... بمقلة موقوف على الضّرّ والجهد⁣(⁣٤)

  / ولم يعدني هذا الأمير بعدله ... على ظالم قد لجّ في الهجر والصّدّ

  فقال له محمد: ومن أيّ شيء استعديت يا ماني؟ فاستحيا، وقال: لا من ظلم أيها الأمير، ولكن الطَّرب حرّك شوقا كان كامنا، فظهر. ثم غنّت:

  /

  حجبوها عن الرياح لأنّي ... قلت: يا ريح بلَّغيها السّلاما

  لو رضوا بالحجاب هان ولكن ... منعوها يوم الرياح الكلاما

  قال: فطرب محمد، ودعا برطل فشربه فقال ماني: ما كان على قائل هذين البيتين لو أضاف إليهما هذين البيتين:


(١ - ١) ما بين القوسين زيادة في ف.

(٢) في س، ب: صاحب ربع الكرخ.

(٣) في ف: «بوادر» بدل «بواكر».

(٤) في أ: «أناجي» وفي هج س، ب: «أفاجي» بدل «أداري».