كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي العبر ونسبه

صفحة 147 - الجزء 23

  فيه شصّ قد ألقاه في الماء للسّمك، وعلى شفته دوشاب⁣(⁣١) ملطَّخ، فقلت له: / خرب بيتك، أيش هذا العمل؟

  فقال: أصطاد يا كشخان يا أحمق بجميع جوارحي، إذا مرّ بي طائر رميته عن القوس، وإن سقط قريبا مني أرسلت إليه الباشق، والرئة التي على رأسي يجيء الحدأ ليأخذها فيقع في الوهق⁣(⁣٢) والدّوشاب أصطاد به الذّباب، وأجعله في الشصّ، فيطلبه السمك، ويقع فيه، والشصّ في أيري، فإذا مرّت به السمكة أحسست بها، فأخرجتها.

  عبث:

  قال: وكان المتوكل يرمي به في المنجنيق إلى الماء، وعليه قميص حرير، فإذا علا في الهواء صاح: الطريق الطريق، ثم يقع في الماء، فتخرجه السّبّاح، قال: وكان المتوكل يجلسه على الزّلَّاقة، فينحدر فيها، حتى يقع في البركة، ثم يطرح الشبكة، فيخرجه كما يخرج السمك، ففي ذلك يقول في بعض حماقاته:

  ويأمر بي الملك ... فيطرحني في البرك

  ويصطادني بالشّبك ... كأني من السّمك

  ويضحك كك كك ككك ... ككك كك ككك كك ككك⁣(⁣٣)

  عبثه مع إسحاق:

  وحدّثني جعفر بن قدامة، قال:

  قدم أبو العبر بغداد في أيام المستعين، وجلس للناس، فبعث إسحاق بن إبراهيم، فأخذه، وحبسه، فصاح في الحبس، لي نصيحة، فأخرج، ودعا به إسحاق، فقال: هات نصيحتك، قال: على أن تؤمّنني؟ قال: نعم، قال:

  الكشكية - أصلحك اللَّه - / لا تطيب إلا بالكشك، فضحك إسحاق وقال: هو - فيما أرى - مجنون، فقال: لا، هو امتخط حوت⁣(⁣٤)، قال: أيش هو امتخط حوت؟ ففهم ما قاله، وتبسم ثم قال: أظنّ أنّي فيك مأثوم، قال: لا، ولكنك في ماء بصل⁣(⁣٥)، فقال: أخرجوه عني إلى لعنة اللَّه، ولا يقيم ببغداد، فأردّه إلى الحبس، فعاد إلى سرّ من رأى.

  من شعره في غلام:

  وله أشعار ملاح في الجدّ، منها ما أنشدنيه الأحفش له يخاطب غلاما أمرد:

  أيها الأمرد المولَّع بال ... هجر أفق ما كذا سبيل الرشاد

  فكأنّي بحسن وجهك قد ... ألبس في عارضيك ثوب حداد

  وكأنّي بعاشقيك وقد بدّ ... لت فيهم من خلطة ببعاد


(١) دوشاب: عصير عنب.

(٢) الوهق: حبل يرمي به في أنشوطة فتؤخذ به الدابة أو الإنسان، وجمعه: أوهاق.

(٣ - ٣) زيادة في ف.

(٤) قسم كلمة مجنون إلى كلمتين: جعل بدل «مج» «امتخط» وبدل «نون» «حوت».

(٥) قسم كلمة مأثوم إلى قسمين «ماء»، «ثرم» وجعل بدلها «ماء بصل».