كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله

صفحة 163 - الجزء 23

  الإباضية في سلاح ظاهر وعدّة وجمع كثير، فعسكر على مسيرة يوم من أبين⁣(⁣١) وخلَّف فيها الأثقال، وتقدّمت لتقاتله، فلقيه عبد اللَّه بن يحيى بلحج - قرية من أبين - قريبا من الليل، فقال الناس للقاسم: أيها الأمير، لا تقاتل الخوارج ليلا، فأبى، وقاتلهم، فقتلوا من أصحابه بشرا كثيرا، وانهزموا ليلا، فمرّ بعسكره، فأمرهم بالرحيل، ومضى إلى صنعاء، فأقام يوما، ثم خرج فعسكر قريبا من صنعاء، وخندق وخلَّف بصنعاء الضحاك بن زمل، فأقبل عبد اللَّه بن يحيى، فنزل جوفين⁣(⁣٢) على ميلين من عسكر القاسم، فوجّه القاسم يزيد بن الفيض في ثلاثة آلاف من أهل الشام وأهل اليمن، فكانت بينهم مناوشة ثم تحاجزوا، فرجع يزيد إلى القاسم، فاستأذنه في بياتهم، فأبى أن يأذن له، فقال يزيد: واللَّه لئن لم تبيّتهم ليغمّنّك، فأبى أن يأذن له، وأقاموا يومين لا يلتقون، فلمّا كان في الليلة الثالثة أقبل عبد اللَّه بن يحيى، / فوافاه مع طلوع الفجر، فقاتلهم الناس على الخندق، فغلبتهم الخوارج عليه، ودخلوا عسكرهم، والقاسم يصلَّي، فركب، وقاتلهم الصّلت بن يوسف، فقتل في المعركة، وقام يأمر الناس يزيد بن / الفيض، فقاتلهم، حتى ارتفع النهار، ثم انهزم أهل صنعاء فأراد أبرهة بن الصبّاح اتّباعهم، فمنعه عبد اللَّه بن يحيى، واتّبع يزيد بن الفيض القاسم بن عمر، فأخبره الخبر فقال القاسم:

  ألا ليت شعري هل أذودنّ بالقنا ... وبالهندوانيّات قبل مماتي⁣(⁣٣)

  وهل أصبحنّ الحارثين كليهما ... بطعن وضرب يقطع اللهوات⁣(⁣٤)

  قال: ودخل عبد اللَّه بن يحيى صنعاء، فأخذ الضّحاك بن زمل وإبراهيم بن جبلة بن مخرمة فحبسهما، وجمع الخزائن والأموال، فأحرزها، ثم أرسل إلى الضحاك وإبراهيم، فأرسلهما، وقال لهما: حبستكما خوفا عليكما من العامة، وليس عليكما مكروه، فأقيما إن شئتما أو اشخصا، فخرجا.

  خطبته بعد فتح اليمن:

  فلمّا استولى عبد اللَّه بن يحيى على بلاد اليمن خطب الناس، فحمد اللَّه جل وعزّ وأثنى عليه وصلَّى على نبيه ، ووعظ، وذكَّر، وحذّر، ثم قال: إنّا ندعوكم إلى كتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه وإجابة من دعا إليهما: الإسلام ديننا، ومحمد نبيّنا والكعبة قبلتنا، والقرآن إمامنا، رضينا بالحلال حلالا لا نبغي به بديلا، ولا نشتري به ثمنا قليلا، وحرّمنا الحرام، ونبذناه وراء ظهورنا، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وإلى اللَّه المشتكى، وعليه المعوّل. من زنى فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، ومن شرب الخمر فهو كافر، ومن شكّ في أنه كافر فهو كافر، ندعوكم إلى فرائض بيّنات، وآيات محكمات، وآثار مقتدى بها، ونشهد أن اللَّه صادق فيما وعد؛ عدل فيما حكم / وندعو إلى توحيد الربّ، واليقين بالوعيد والوعد، وأداء الفرائض، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والولاية لأهل ولاية اللَّه،


(١) أبين: مخلاف باليمن من قراء (حدن).

(٢) ليس في «معجم البلدان» موضع في الجزيرة العربية بهذا الاسم، ولعله محرف عن «جوفين» وهي كما في «القاموس» قرية بالبحرين.

(٣) كذا في ف وفي س، ب: «الفتى»، والبيتان في «معجم الشعراء» بالرواية الآتية:

ألا ليت شعري هل أدوسن بالقنا ... قبالة أو نجران قبل مماتي

وهل أصبحن الحارثين كليهما ... بسم زعاف يقطع اللهوات؟

(٤) الحارثان في مرة: الحارث بن ظالم الحارث بن عوف، وفي باهلة: الحارث بن قتيبة، الحارث بن سهم بن عمرو، كما في «المخصص» ١٣/ ٢٢٩.