كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - خبر أبي قطيفة ونسبه

صفحة 59 - الجزء 1

  هذا، فإنّي إنما اتخذته نزهة وليس بمال. فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، ورواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزّاه الناس على قبره وودّعوه، فكان هو أوّل من نعاه لمعاوية⁣(⁣١)، فتوجّع له وترحّم عليه، ثم قال: هل ترك دينا؟ قال نعم. [قال: كم هو؟ قال]⁣(⁣٢) ثلاثمائة ألف [درهم]⁣(⁣٢). قال: هي عليّ. قال: قد ظنّ ذلك وأمرني ألَّا أقبله منك، وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض [عليّ]⁣(⁣٣).

  قال: قصره بالعرصة. قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية⁣(⁣٤). قال:

  نعم. فحملها له إلى المدينة وفرّقها في غرمائه، وكان أكثرها عدات⁣(⁣٥). فأتاه شابّ من قريش بصكّ فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه وشهادة مولى له عليه. فأرسل إلى المولى فأقرأه الصّكّ، فلما قرأه بكى وقال:

  نعم هذا خطَّه وهذه شهادتي عليه. فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش؟

  قال: أخبرك عنه، مرّ سعيد بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، إلَّا أنّي رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. فقال لي: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدّين وقال: إنك لم⁣(⁣٦) تصادف عندنا شيئا فخذ هذا، / فإذا جاءنا شيء فأتنا.

  فقال عمرو: لا جرم واللَّه لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إيّاها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية.

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الصّلت بن مسعود قال حدّثنا سفيان بن عيينة قال حدّثنا هارون⁣(⁣٧) المدائنيّ قال:

  كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندي، ولكن اكتب عليّ به، فيكتب عليه كتابا، فيقول: تروني⁣(⁣٨) أخذت منه ثمن هذا؟ لا، ولكنه يجيء فيسألني فينزو⁣(⁣٩) دم وجهه في وجهي فأكره ردّه.

  فأتاه مولى لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال: إنّ أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه. فقال: ما عندي، ولكن خذ ما شئت في أمانتي. فلما مات / سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إنّي أتيت أباك بابن فلان، وأخبره بالقصّة. فقال له عمرو: فكم أخذت؟ قال: عشرة آلاف. فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا! يقول له سعيد: خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف! لو أخذت مائة ألف لأدّيتها عنك.

  اعتداد أبي قطيفة بنسبه وهجوه عبد الملك بن مروان

  أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن ابن الكلبيّ قال: قال أبو قطيفة - وكانت أمّه وأمّ


(١) في أ، م، ء، ب، س: «إلى معاوية» وكلاهما صحيح.

(٢) زيادة في ت.

(٣) زيادة في ب، س، ح، ر.

(٤) الدرهم الوافي درهم وأربعة دوانق، والدانق: سدس الدرهم.

(٥) عطايا وعد بها.

(٦) كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «لن» وهو لا يناسب المقام.

(٧) في ت، ح، ر: «أبو هارون» ولم نعثر في «كتب التراجم» على هارون أو أبي هارون المدائنيّ حتى نرجح إحدى الروايتين. وما عثرنا عليه فيها هو أن موسى بن أبي عيسى الغفاريّ أبا هارون المدنيّ الحنّاط روى عنه سفيان بن عيينة، وهو مشهور بكنيته؛ فلعله هو.

(٨) في ب، س، ح، ر: «أتروني» بذكر همزة الاستفهام.

(٩) كأن دم وجهه يثب في وجهي لشدّة احمراره خجلا من ذل السؤال. وفي ب، س: «فيتردّد وجهه في وجهي ...».