كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الغريض وأخباره

صفحة 598 - الجزء 2

  / قدم نصيب الكوفة، فأرسلني أبي إليه، وكان له صديقا، فقال: أقرئه منّي السلام وقل له: إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت! فأتيته في يوم جمعة وهو يصلَّي، فلما فرغ أقرأته السلام وقلت له: فقال قد علم أبوك أنّي لا أنشد في يوم الجمعة ولكن تلقاني في غيره فأبلغ ما تحبّ، فلمّا خرجت وانتهيت إلى الباب رددت إليه؛ فقال: أتروي شيئا من الشعر؟ قلت نعم؛ قال: فأنشدني، فأنشدته قول جميل:

  إني لأحفظ غيبكم ويسرّني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري

  الأبيات المتقدّمة، فقال نصيب: أمسك! أمسك! للَّه درّه! ما قال أحد إلا دون ما قال، ولقد نحت⁣(⁣١) للناس مثالا يحتذون عليه. ثم قال: أمّا أصدقنا في شعره فجميل، وأمّا أوصفنا لربّات الحجال فكثيّر، وأمّا أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة، وأمّا أنا فأقول ما أعرف.

  سمع أصوات رهبان في دير فصنع لحنا على مثالها

  وقال هارون بن محمد الزيّات حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه:

  أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها، فقال له بعض من معه: يا أبا يزيد، صغ على مثل هذا الصوت لحنا؛ فصاغ مثله في لحنه:

  يا أمّ بكر حبّك البادي ... لا تصرميني إنّني غادي

  فما سمع بأحسن منه.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  يا أمّ بكر حبك البادي ... لا تصرميني إنّني غادي

  جدّ الرحيل وحثّني صحبي ... وأريد إمتاعا من الزّاد

  / عروضه من مزاحف الكامل⁣(⁣٢). الشعر لسعيد⁣(⁣٣) بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاريّ. والغناء للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى. وفيه لابن المكَّي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش. وفيه لإبراهيم بن أبي الهيثم هزج.

  غناء إبراهيم بن أبي الهيثم والرجل الناسك

  وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبة عن أيوّب بن عباية عن عمرو بن عقبة - وكان يعرف بابن الماشطة - قال:

  خرجت أنا وأصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق، ومعنا رجل ناسك كنا نحتشم منه، وكان محموما نائما، وأحببنا أن نسمع من معنا من المغّنين ونحن نهابه ونحتشمه، فقلت له: إنّ فينا رجلا ينشد الشعر


(١) في ط: «ولقد لحب». ولحب: أوضح وبين.

(٢) كذا في ط وهو الصواب إذ البيتان من الكامل الذي دخل عروضه وضربه الحذ وهو حذف الوتد المجموع من متفاعلن، والإضمار وهو إسكان ثانيه. وفي باقي الأصول: «مزاحف الرجز» وهو تحريف.

(٣) انظر ترجمته في الجزء السابع ص ١٦٤ من «الأغاني» طبع بولاق.