أخبار أبي صخر الهذلي ونسبه
  وقد جاؤوا ليقبضوا عطاءهم(١)، وكان عارفا بهواه في بني أميّة، فمنعه عطاءه، فقال: علام(٢) تمنعني حقّا لي؛ وأنا امرؤ مسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولا أخرجت من طاعة يدا؟ قال: عليك بني(٣) أميّة فاطلب عندهم(٤)، عطاءك.
  قال: إذن أحدهم سباطا(٥) أكفّهم، سمحة أنفسهم، بذلاء(٦) لأموالهم وهّابين لمجتديهم، كريمة أعراقهم، شريفة أصولهم، زاكية فروعهم، قريبا من رسول اللَّه ﷺ نسبهم وسبهم، ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائظ(٧) ولا أتباع، ولا هم في قريش كفقعة(٨) القاع، لهم السؤدد في / الجاهلية، والملك في الإسلام، لا كمن لا يعدّ في عيرها ولا نفيرها(٩)، ولا حكَّم آباؤه في نقيرها ولا قطميرها(١٠)، ليس من أحلافها المطيّبين(١١)، ولا من ساداتها المطعمين، ولا من جودائها(١٢) الوهّابين، ولا من هاشمها المنتخبين، ولا عبد شمسها المسوّدين، وكيف تقابل الرؤوس بالأذناب؟ وأين النّصل من الجفن؟ والسّنان من الزّجّ؟ والذّنابى من القدامى؟(١٣) وكيف يفضّل الشّحيح على الجواد، والسّوقة على الملك، والمجيع(١٤) بخلا على المطعم فضلا؟ فغضب ابن الزّبير حتى ارتعدت فرائصه، وعرق جبينه، واهتزّ من قرنه إلى قدمه وامتقع لونه، ثم قال له(١٥): يا بن البوّالة على عقبيها، يا جلف، يا جاهل، أما واللَّه لولا الحرمات الثّلاث: حرمة الإسلام، وحرمة الحرم، وحرمة الشهر الحرام، لأخذت الذي في عيناك.
  ثمّ أمر به إلى سجن عارم(١٦)، فحبس به(١٧) مدّة، ثم استوهبته هذيل(١٨) / ومن له بين(١٩) قريش خؤولة في
(١) عبارة «التجريد»: «دخل عليه أبو صخر الهذل ليقبض عطاءه».
(٢) «التجريد»: «فقال: يمنعني».
(٣) ف، «التجريد»: ببني.
(٤) «عندهم»: لم تذكر في خد.
(٥) جمع سبط (بفتح فسكون): سمح سخي.
(٦) ف، «التجريد»: بذلا. وكلاهما مقيس.
(٧) الوشائظ: الدخلاء في القوم ليسوا من صميمهم.
(٨) الفقعة (بكسر ففتح) جمع فقع (بفتح فسكون) وفقع (بكسر فسكون): ضرب من الكمأة. ويضرب بها المثل في الذلة، فيقال: أذل من فقع بقاع.
(٩) أصل هذا التعبير في «الفاخر»: ١٧٧.
(١٠) النقير: نقرة في ظهر النواة. والقطمير: القشرة الرقيقة على النواة كاللفافة لها، ويطلق كلاهما على الشيء الحقير.
(١١) الأحلاف المطيبون، هم بنو هاشم، وبنو زهرة، وتيم، اجتمعوا في دار ابن جدهان في الجاهلية، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فسموا المطيبين، وقد شهد الرسول اللَّه ﷺ حلف المطيبين مع عمومته وهو غلام. وكان أبو بكر ¥ من المطيبين.
(١٢) جوداء جمع جواد مثل جود وأجاود «الصحاح».
(١٣) القدامى: مقدم ريش الطائر؛ والذنابى للطائر كالذنب للفرس، وللطائر أربع ذنابى بعد الخوافي.
(١٤) س: «والجامع».
(١٥) «المختار»: «وقال».
(١٦) «بيروت»: «عارف». وما أثبتناه من خد، ف، و «التجريد، والمختار».
(١٧) خد، ف: فيه. وفي «المختار».: فسجن، بدل: حبس.
(١٨) خد، ف، «التجريد»: «قريش وهذيل».
(١٩) ف: «من قريش».