أخبار عروة بن حزام
  ووائل: بنو زيد، فلمّا قبضت الصدقة قسّمتها في أهلها، فلمّا فرغت وانصرفت بالسهمين إلى عثمان ¥ إذا أنا ببيت مفرد / عن الحيّ، فملت إليه، فإذا أنا بفتى راقد في فناء(١) البيت، وإذا بعجوز من ورائه في كسر البيت، فسّلمت عليه، فردّ عليّ بصوت ضعيف(٢)، فسألته: مالك؟ فقال:
  كأنّ قطاة علَّقت بجناحها ... على كبدي من شدّة الخفقان
  وذكر الأبيات النونيّة المعروفة، ثم شهق شهقة خفيفة(٣) كانت نفسه فيها، فنظرت إلى(٤) وجهه فإذا هو قد قضى(٥) فقلت: أيّتها العجوز، من هذا الفتى منك؟ قالت: ابني، فقلت: إني أراه قد قضى، فقالت(٦): وأنا واللَّه أرى ذلك، فقامت فنظرت في وجهه ثم قالت: فاظ وربّ محمد، قال: فقلت لها: يا أمّاه(٧)، من هو؟ فقالت:
  عروة بن حزام، أحد بني ضبّة، وأنا أمّه، فقلت لها؛ ما بلغ به ما أرى؟ قالت: الحبّ، واللَّه ما سمعت له منذ سنة كلمة ولا أنّة إلا اليوم، فإنه أقبل عليّ ثم قال:
  من كان من أمّهاتي(٨) باكيا أبدا ... فاليوم إنّي أراني اليوم مقبوضا
  يسمعننيه فإنّي غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم(٩) معروضا
  قال: فما برحت من الحيّ حتى عسّلته، وكفّنته، وصلَّيت عليه، ودفنته.
  خبر آخر عن موت عفراء بعده
  وذكر أبو زيد عمر بن شبّة في خبره، هذه القصة عن عروة بن الزّبير، فقال هذين البيتين بحضرته:
  من كان من أخواتي باكيا أبدا ...
  قال: فحضرنه فبرزن - واللَّه - كأنهنّ الدّمى(١٠)، فشققن جيوبهنّ، وضربن خدودهنّ(١١)، فأبكين كلّ من حضر. وقضى من يومه.
  وبلغ عفراء خبره، فقامت لزوجها فقالت: يا هناء، قد كان من خبر ابن عمي ما كان بلغك، وو اللَّه ما عرفت منه(١٢) قطَّ إلَّا الحسن الجميل، وقد مات فيّ وبسببي، ولا بدّ لي من أن أندبه وأقيم(١٣) مأتما عليه(١٤). قال:
(١) ج: «بفناء».
(٢) خد: «فإذا أنا بفتى راقد فسألته». وسقط ما بينهما.
(٣) «خفيفة»: لم تذكر في ج.
(٤) خد: في.
(٥) قوله: «فنظرت ... قضى»: لم يرد في ج، ولا س.
(٦) خد: «قالت».
(٧) خد: «أيا أمه».
(٨) في «الشعر والشعراء» ٦٢٦: «أخواتي».
(٩) «الديوان»: «الناس».
(١٠) س: «فتبرزن - واللَّه - كأنهن الدما».
(١١) خد: صدورهن.
(١٢) خد: «وو اللَّه ما كان بيني وبينه ...» و «المختار»: وو اللَّه ما بيني وبينه ...
(١٣) س: «فأقيم».
(١٤) «المختار»: «عليه مأتما».