ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه
  بقاتل جدّه بذي المجاز(١)، فلما أصابه وجده في ركب عظيم من قومه، ولم يكن معه إلا رهط من الأوس، فخرج حتى أتى حذيفة بن بدر الفزاريّ، فاستنجده فلم ينجده، فأتى خداش بن زهير فنهض معه ببنى عامر حتى أتوا قاتل عديّ، فإذا هو واقف على راحلته في السّوق، فطعنه قيس بحربة فقتله، ثم استمرّ. فأراده رهط الرجل، فحالت بنو عامر دونه؛ فقال في ذلك قيس بن الخطيم:
  ثأرت عديّا والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياخ جعلت(٢) إزاءها
  ضربت بذي الزّجّين(٣) ربقة(٤) مالك ... فأبت بنفس قد أصبت شفاءها
  وسامحني(٥) فيها ابن عمرو بن عامر ... خداش فأدّى نعمة وأفاءها
  طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع(٦) أضاءها
  ملكت(٧) بها كفّي فأنهرت(٨) فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
  هذه رواية ابن الأعرابيّ عن المفضّل. وأما ابن الكلبيّ فإنه ذكر أن رجلا من قريش أخبره عن أبي عبيدة أن محمد بن عمّار بن ياسر، وكان عالما بحديث الأنصار، قال:
  كان من حديث قيس بن الخطيم أن جدّه عديّ بن عمرو قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقال له مالك، وقتل أباه الخطيم بن عديّ رجل من عبد القيس(٩) ممن يسكن هجر؛ وكان قيس يوم قتل أبوه صبيا صغيرا، وقتل الخطيم قبل أن يثأر بأبيه عديّ؛ فخشيت أمّ قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجده فيهلك، فعمدت إلى كومة من تراب عند باب دارهم، فوضعت عليها أحجارا تقول لقيس: هذا قبر أبيك وجدّك، فكان قيس لا يشكّ أن / ذلك على ذلك. ونشأ أيّدا شديد الساعدين، فنازع يوما فتى من فتيان بني ظفر، فقال له ذلك الفتى: واللَّه لو جعلت شدّة ساعديك على قاتل أبيك وجدّك لكان خيرا لك من أن تخرجها عليّ؛ فقال: ومن قاتل أبي وجدي؟ قال: سل أمّك تخبرك؛ فأخذ السيف ووضع قائمه على الأرض وذبابه(١٠) بين ثدييه وقال لأمه:
  أخبريني من قتل أبي وجدّي؟ قالت: ماتا كما يموت الناس وهذان قبراهما بالفناء؛ فقال: واللَّه لتخبرينني(١١) من قتلهما أو لأتحاملنّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري؛ فقالت: أمّا جدّك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن
(١) ذو المجاز: موضع بعرفة، وكانت تقام فيه في الجاهلية سوق من أسواق العرب.
(٢) جعلت إزاءها: جعلت القيم عليها، يقال: هو إزاء مال أي يقوم عليه ويتعهده.
(٣) في «ديوانه» وط، ء: «بذي الزرين». والزر: حد السيف. والزج: الحديدة في أسفل الرمح. وقد ذكرت في شرح ديوانه رواية أخرى:
«بذي الخرصين» وربما رجحها ما سيأتي بعد من حكاية قيس مع خداش وكيف كان قتله لمالك قاتل جده.
(٤) الربقة: العروة، يريد موضعها.
(٥) سامحني: تابعني ووافقني.
(٦) النفذ: الثقب. والشعاع: حمزة الدم. ويروى: «الشعاع» بفتح الشين وهو انتشار الدم. يريد: لولا الدم لأضاءها النفذ حتى تستبين.
(٧) ملكت: شددت وضبطت.
(٨) أنهرت: أوسعت.
(٩) انظر الحاشية رقم ٣ ص ٢ من هذا الجزء.
(١٠) ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به.
(١١) كذا في الأصول: من غير توكيد وهذا الوجه يجيزه الكوفيون، والبصريون يوجبون توكيد الفعل في مثل هذا الموضع بالنون (انظر «الأشموني» ج ٢ ص ٤٣٧ طبع بولاق).