كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه

صفحة 7 - الجزء 3

  ربيعة يقال له مالك، وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس⁣(⁣١) ممن يسكن هجر؛ فقال: واللَّه لا أنتهي حتى أقتل قاتل أبي وجدّي؛ فقالت: يا بنيّ إن مالكا قاتل جدّك من قوم خداش بن زهير، ولأبيك عند خداش نعمة هو لها شاكر، فأته فاستشره في أمرك واستعنه يعنك؛ فخرج قيس من ساعته حتى أتى ناضحه⁣(⁣٢) وهو يسقي نخله، فضرب الجرير⁣(⁣٣) بالسيف فقطعه، فسقطت الدلو في البئر، وأخذ برأس الجمل فحمل عليه غرارتين من تمر، وقال: من يكفيني أمر هذه العجوز؟ (يعني أمّه) فإن متّ أنفق عليها من هذا الحائط⁣(⁣٤) حتى تموت ثم هو له، وإن عشت فمالي عائد إليّ وله منه ما شاء أن يأكل من تمره⁣(⁣٥)؛ فقال رجل من قومه: أنا له، فأعطاه الحائط ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دلّ عليه بمرّ الظَّهران⁣(⁣٦)، / فصار إلى خبائه فلم يجده، فنزل تحت شجرة يكون تحتها أضيافه، ثم نادى امرأة خداش: هل من طعام؟ فأطلعت إليه فأعجبها جماله، وكان من أحسن الناس وجها؛ / فقالت: واللَّه ما عندنا من نزل⁣(⁣٧) نرضاه لك إلا تمرا؛ فقال: لا أبالي، فأخرجي ما كان عندك؛ فأرسلت إليه بقباع⁣(⁣٨) فيه تمر، فأخذ منه تمرة فأكل شقّها وردّ شقّها الباقي في القباع، ثم أمر بالقباع فأدخل على امرأة خداش بن زهير، ثم ذهب لبعض حاجاته. ورجع خداش فأخبرته امرأته خبر قيس، فقال: هذا رجل متحرّم⁣(⁣٩). وأقبل قيس راجعا وهو مع امرأته يأكل رطبا؛ فلما رأى خداش رجله وهو على بعيره قال لامرأته: هذا ضيفك؟ قالت: نعم؛ قال: كأن قدمه قدم الخطيم صديقي اليثربيّ؛ فلما دنا منه قرع طنب البيت بسنان رمحه واستأذن، فأذن له خداش فدخل إليه، فنسبه⁣(⁣١٠) فانتسب⁣(⁣١١) وأخبره بالذي جاء له، وسأله أن يعينه وأن يشير عليه في أمره؛ فرحّب به خداش وذكر نعمة أبيه عنده، وقال: إن هذا الأمر ما زلت أتوقّعه منك منذ حين. فأمّا قاتل جدّك فهو ابن عم لي وأنا أعينك عليه، فإذا اجتمعنا في نادينا جلست إلى جنبه وتحدّثت معه، فإذا ضربت فخذه فثب إليه فاقتله. فقال قيس: فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لمّا جالسه خداش، فحين ضرب فخذه ضربت رأسه بسيف يقال له: ذو الخرصين، فثار إليّ القوم ليقتلوني، فحال خداش بينهم وبيني وقال: دعوه فإنه واللَّه ما قتل إلا قاتل جدّه. ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه، وانطلق مع قيس إلى العبدي الذي قتل أباه، حتى إذا كانا قريبا من هجر أشار عليه خداش أن ينطلق حتى يسأل عن قاتل أبيه، فإذا دلّ عليه قال له: إن لصّا من لصوص قومك عارضني فأخذ متاعا لي، فسألت من سيد قومه فدللت عليك، فانطلق معي حتى تأخذ متاعي منه؛ فإن اتّبعك وحده فستنال / ما تريد منه، وإن أخرج⁣(⁣١٢) معه غيره فاضحك، فإن سألك ممّ ضحكت فقل: إن الشريف عندنا لا يصنع كما صنعت إذا دعي إلى اللص من قومه، إنما


(١) انظر الحاشية رقم ٣ ص ٢ من هذا الجزء.

(٢) الناضح: البعير يستقى عليه الماء.

(٣) الجرير: الحبل.

(٤) الحائط: البستان.

(٥) في أ، م، ء: «ثمره» بالثاء المثلثة.

(٦) الظهران: واد قرب مكة عنده قرية يقال لها «مر» تضاف إليه فيقال مر الظهران.

(٧) النزل: ما يهيأ للضيف من قرى.

(٨) القباع: المكيال الضخم.

(٩) متحرّم: له عندنا حرمة وذمة.

(١٠) نسبه: طلب إليه أن ينتسب.

(١١) في ب، س: «فانتسب إليه».

(١٢) كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «معك» والسياق يرجح الأول.