2 - ذكر معبد وبعض أخباره
  أدركته يلبس ثوبين ممشّقين(١)، وكان إذا غنّى علا منخراه(٢). فقالت عاتكة: يا سيّدي أو أدركت معبدا؟ قال: إي واللَّه وأقدم من معبد. فقالت: استحييت لك من هذا الكبر(٣).
  علوّ كعبه في صناعة الغناء
  أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلَّام قال حدّثني جرير / قال: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي: إنّ ابن صفوان قد سبّق(٤) بين المغنّين جائزة، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقال لي آذنه: قد تقدّم إليّ ألَّا آذن لأحد عليه ولا أؤذنه(٥) به. قال فقلت: دعني أدنو(٦) من الباب فأغنّي صوتا. قال: أمّا هذا فنعم. فدنوت من الباب، فغنّيت [صوتا](٧)، فقالوا: معبد! وفتحوا لي، فأخذت الجائزة يومئذ.
  أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي: وذكر عورك - وهو الحسن بن عتبة اللَّهبيّ - أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحجّ. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:
  القصر فالنخل فالجمّاء بينهما
  و «قتيلة»(٨) يعني لحنه:
  يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د تليع(٩) تزينه الأطواق
  قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء؟ قال: أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنّم عليه بالشّعر حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك! / قال إسحاق: وقال مصعب الزّبيريّ قال يحيى(١٠) بن عبّاد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزّبير حدّثني أبي قال:
  قال معبد: كنت غلاما مملوكا لآل قطن مولى(١١) بني مخزوم، وكنت أتلقّى الغنم بظهر الحرّة، وكانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك، فآرتي صخرة بالحرّة ملقاة بالليل فأستند إليها(١٢)، فأسمع وأنا نائم صوتا يجري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.
(١) مصبوغين بالمشق بالكسر والفتح، وهو المغرة وهي صبغ أحمر.
(٢) المنخر: ثقب الأنف.
(٣) في ت، ح، ر: «من هذه الكبرة».
(٤) يقال: سبّق إذا أخذ السّبق أو أعطاه فهو من الأضداد. (انظر «اللسان» في مادة سبق).
(٥) أي أمرني ألا أدخل عليه أحدا ولا أعلمه به.
(٦) في ت، ح، ر: «أدن» بغير واو وكلاهما صحيح.
(٧) زيادة في ت.
(٨) كذا في ت. وفي ح، ر: «وقتيلة يعني لحنه في» وهو قريب من الأوّل. وفي سائر النسخ: «وقبيلة تغنّي في لحنه: في يوم تبدى لنا الخ» وهو تحريف ظاهر.
(٩) تليع: طويل. والبيت للأعشى. (انظر «التاج» في مادة تلع).
(١٠) كذا في جميع النسخ. وقد ذكر في «تقريب التهذيب»: «يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير. وصوابه: عن عباد بن حمزة، وما ليحيى مدخل في ذلك». يعني أن يحيى يروي عن عباد بن حمزة، وليس ابنا له.
(١١) في ب، س: «موالي بني مخزوم».
(١٢) كذا في ت. وفي سائر النسخ: «بها».