كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر معبد وبعض أخباره

صفحة 64 - الجزء 1

  أدركته يلبس ثوبين ممشّقين⁣(⁣١)، وكان إذا غنّى علا منخراه⁣(⁣٢). فقالت عاتكة: يا سيّدي أو أدركت معبدا؟ قال: إي واللَّه وأقدم من معبد. فقالت: استحييت لك من هذا الكبر⁣(⁣٣).

  علوّ كعبه في صناعة الغناء

  أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلَّام قال حدّثني جرير / قال: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي: إنّ ابن صفوان قد سبّق⁣(⁣٤) بين المغنّين جائزة، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقال لي آذنه: قد تقدّم إليّ ألَّا آذن لأحد عليه ولا أؤذنه⁣(⁣٥) به. قال فقلت: دعني أدنو⁣(⁣٦) من الباب فأغنّي صوتا. قال: أمّا هذا فنعم. فدنوت من الباب، فغنّيت [صوتا]⁣(⁣٧)، فقالوا: معبد! وفتحوا لي، فأخذت الجائزة يومئذ.

  أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي: وذكر عورك - وهو الحسن بن عتبة اللَّهبيّ - أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحجّ. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:

  القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

  و «قتيلة»⁣(⁣٨) يعني لحنه:

  يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د تليع⁣(⁣٩) تزينه الأطواق

  قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء؟ قال: أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنّم عليه بالشّعر حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك! / قال إسحاق: وقال مصعب الزّبيريّ قال يحيى⁣(⁣١٠) بن عبّاد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزّبير حدّثني أبي قال:

  قال معبد: كنت غلاما مملوكا لآل قطن مولى⁣(⁣١١) بني مخزوم، وكنت أتلقّى الغنم بظهر الحرّة، وكانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك، فآرتي صخرة بالحرّة ملقاة بالليل فأستند إليها⁣(⁣١٢)، فأسمع وأنا نائم صوتا يجري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.


(١) مصبوغين بالمشق بالكسر والفتح، وهو المغرة وهي صبغ أحمر.

(٢) المنخر: ثقب الأنف.

(٣) في ت، ح، ر: «من هذه الكبرة».

(٤) يقال: سبّق إذا أخذ السّبق أو أعطاه فهو من الأضداد. (انظر «اللسان» في مادة سبق).

(٥) أي أمرني ألا أدخل عليه أحدا ولا أعلمه به.

(٦) في ت، ح، ر: «أدن» بغير واو وكلاهما صحيح.

(٧) زيادة في ت.

(٨) كذا في ت. وفي ح، ر: «وقتيلة يعني لحنه في» وهو قريب من الأوّل. وفي سائر النسخ: «وقبيلة تغنّي في لحنه: في يوم تبدى لنا الخ» وهو تحريف ظاهر.

(٩) تليع: طويل. والبيت للأعشى. (انظر «التاج» في مادة تلع).

(١٠) كذا في جميع النسخ. وقد ذكر في «تقريب التهذيب»: «يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير. وصوابه: عن عباد بن حمزة، وما ليحيى مدخل في ذلك». يعني أن يحيى يروي عن عباد بن حمزة، وليس ابنا له.

(١١) في ب، س: «موالي بني مخزوم».

(١٢) كذا في ت. وفي سائر النسخ: «بها».