ذكر الدارمي وخبره ونسبه
  أنّا باللَّه ذي العزّ ... وبالَّركن وبالصّخره
  من اللائي يردن الطَّي ... ب في اليسر وفي العسرة(١)
  وما أقوى على هذا ... ولو كنت على البصرة
  فمكث النسوة ما شئن. ثم قدم من مكة فلقيته صاحبته ليلة في الطَّواف، فأخرجته إلى ناحية المسجد وجعلت تعاتبه على ذهابه ويعاتبها، إلى أن قالت له: يا دارميّ، بحقّ هذه / البنيّة(٢) أتحبّني؟ فقال نعم، فبربّها أتحبّيني؟ قالت نعم؛ قال: فيا لك الخير فأنت تحبّيني وأنا أحبّك، فما مدخل الدراهم بيننا!.
  الدارمي وعبد الصمد بن علي:
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمّي قال:
  كان الدارميّ عند عبد الصمد بن عليّ يحدّثه، فأغفى عبد الصمد فعطس الدارميّ عطسة هائلة، ففزع عبد الصمد فزعا شديدا وغضب غضبا شديدا، ثم استوى جالسا وقال: يا عاضّ كذا من أمه(٣) أتفزّعني! قال: لا واللَّه ولكن هكذا عطاسي! قال: واللَّه لأنقعنّك في دمك(٤) أو تأتينّي ببيّنة على ذلك؛ قال: فخرج ومعه حرسيّ(٥) لا يدري أين يذهب به، فلقيه ابن الريّان(٦) المكيّ فسأله؛ فقال: أنا أشهد لك؛ فمضى حتى دخل على عبد الصمد؛ فقال له: بم تشهد لهذا؟ قال: أشهد أني رأيته مرّة عطس عطسة فسقط(٧) ضرسه؛ فضحك عبد الصمد وخلَّى سبيله.
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا هارون بن محمد قال حدّثنا الزبير قال:
  قال محمد بن إبراهيم الإمام للدارميّ: لو صلحت عليك ثيابي لكسوتك؛ قال: فديتك! إن لم تصلح عليّ ثيابك صلحت عليّ دنانيرك.
  الدارمي مع نسوة من الأعراب:
  أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزبير، ونسخت من كتاب هارون بن محمد: حدّثنا الزبير قال حدّثني يونس بن عبد اللَّه الخيّاط قال:
  / خرج الدارميّ مع السّعاة(٨)، فصادف جماعة منهم قد نزلوا على الماء فسألهم فأعطوه دراهم، فأتى بها في ثوبه، وأحاط به أعرابيّات فجعلن يسألنه وألححن عليه وهو يردّهن؛ فعرفته صبيّة منهنّ فقالت: يا أخواتي، أتدرين
(١) في أ، م: «في اليسرة والعسرة».
(٢) البنية: الكعبة.
(٣) كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يا عاض كذا وكذا من أمه».
(٤) لأنقعنك في دمك: لأريقن دمك حتى تقرّ فيه كما يقرّ الشيء الجامد في الماء ونحوه.
(٥) الحرس: الأعوان. قال في «المصباح»: جعل علما على الجمع هذه الحالة المخصوصة ولا يستعمل له واحد من لفظه، ولهذا نسب إلى الجمع، ولو جعل الحرس هنا جمع حارس لقيل حارسيّ. قالوا: ولا يقال حارسيّ إلا إذا ذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس.
(٦) ابن الريان: هو أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن هشام المكيّ. وفي ط، ء: «أبو الزناد المكيّ».
(٧) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «سقط».
(٨) السعاة: جمع ساع وهو العامل على الصدقات، يأخذها من الأغنياء ويردها على الفقراء.