كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هلال ونسبه

صفحة 40 - الجزء 3

  فأنيخاها⁣(⁣١) فإنّ عليها وطبين⁣(⁣٢) من لبن، فاشربا منهما ما بدا لكما. قال فقال له أحدهما: ويحك! انهض يا غلام فأت بذلك اللبن! فقال لهما: إن تك لكما حاجة فستأتيانها فتجدان⁣(⁣٣) الوطبين فتشربان؛ قال فقال أحدهما: إنك يا بن اللَّخناء لغليظ الكلام، قم فاسقنا، ثم دنا من هلال وهو على تلك الحال. وقال لهما، حيث قال له أحدهما:

  «إنك يا بن اللخناء لغليظ الكلام»، أراكما واللَّه ستلقيان هوانا وصغارا؛ وسمعا ذلك منه، فدنا أحدهما فأهوى له ضربا بالسّوط على عجزه وهو مضطجع، فتناول هلال يده فاجتذبه إليه ورماه تحت فخذه ثم ضغطه ضغطة؛ فنادى صاحبه: ويحك أغثني قد قتلني! فدنا / صاحبه منه، فتناوله هلال أيضا فاجتذبه فرمى به تحت فخذه الأخرى، ثم أخذ برقابهما فجعل يصكّ برؤوسهما⁣(⁣٤) بعضا ببعض لا يستطيعان أن يمتنعا منه؛ فقال أحدهما: كن هلالا ولا نبالي⁣(⁣٥) ما صنعت؛ فقال لهما: أنا واللَّه هلال، ولا واللَّه لا تفلتان منّي حتى تعطياني عهدا وميثاقا لا تخيسان⁣(⁣٦) به: لتأتيانّ المربد⁣(⁣٧) إذا قدمتما البصرة، ثم لتناديانّ بأعلى أصواتكما بما كان منّي ومنكما؛ فعاهداه وأعطياه نوطا من التمر الذي معهما، وقدما البصرة فأتيا المربد فناديا بما كان منه ومنهما.

  وحدّث خالد عن كنيف⁣(⁣٨) بن عبد اللَّه المازنيّ قال: كنت يوما مع هلال ونحن نبغي إبلا لنا، فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا⁣(⁣٩) وعطشنا، وإذا نحن بفتية شباب عند ركيّة⁣(⁣١٠) لهم / وقد وردت إبلهم، فلما رأوا هلالا استهولوا خلقه وقامته، فقام رجلان منهم إليه فقال له أحدهما: يا عبد اللَّه، هل لك في الصّراع؟ فقال له هلال: أنا إلى غير ذلك أحوج؛ قال: وما هو؟ قال: إلى لبن وماء فإنّني لغب ظمآن؛ قال: ما أنت بذائق من ذلك شيئا حتى تعطينا عهدا لتجيبنّنا إلى الصّراع إذا أرحت⁣(⁣١١) ورويت؛ فقال لهما هلال: إنني لكم ضيف، والضيف لا يصارع [آهله⁣(⁣١٢) و] ربّ منزله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم: اعمدوا إلى أشدّ فحل في إبلكم وأهيبه صولة وإلى أشدّ رجل منكم ذراعا، فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير، فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني، وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك. قال: فعجبوا من مقالته تلك، وأومئوا إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم⁣(⁣١٣)؛ فأتاه هلال ومعه نفر من


(١) فيء وإحدى روايتي ط: «فاقصداها». وفي ط: «فانتحياها».

(٢) الوطب: سقاء اللبن خاصة.

(٣) في ط، ء، ح: «فتحذران». وحدر الشيء: أنزله من علو.

(٤) الجمع في رؤوسهما دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالا من التثنية والإفراد، وفي القرآن الكريم: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما}.

(٥) كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «ولا تبالي» بالتاء.

(٦) لا تخيسان به: لا تغدران به ولا تنكثان.

(٧) المربد: من أشهر محال البصرة، وكان يكون سوق الإبل فيه قديما ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء.

(٨) كذا في كذا. وفي سائر النسخ: «كفيف» وفي «القاموس» وشرحه مادة كنف أنه سمى بكنيف كزبير. ولم نعثر على أنه سمي بكفيف.

(٩) لغبنا: تعبنا وأصابنا الإعياء.

(١٠) الركية: البئر لأنها مركوة أي محفورة.

(١١) أراح الرجل: رجعت إليه نفسه بعد الإعياء.

(١٢) زيادة في ط، أ، م، ء. والآهل: من قولهم أهل. إذا أنس به.

(١٣) كذا في ط والقطم: الهائج. وفي سائر النسخ: «فطم» بالفاء وهو تحريف.