كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هلال ونسبه

صفحة 41 - الجزء 3

  أولئك القوم وشيخ لهم، فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر الفحل [منها]⁣(⁣١) واستخذى ورغا، وقال: ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل. قال فقال الشيخ: يا قوم تنكَّبوا هذا الشيطان، فو اللَّه ما سمعت فلانا⁣(⁣٢) (يعني الفحل)⁣(⁣٣) جرجر منذ بزل⁣(⁣٤) قبل اليوم، فلا تعرضوا لهذا الشيطان. وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم.

  صارع في المدينة عبدا بأمر أميرها:

  قال وحدّثنا من سمع هلالا يقول: قدمت المدينة وعليها رجل من آل مروان، فلم أزل أضع عن إبلي وعليها أحمال للتجار حتى أخذ بيدي وقيل لي: أجب الأمير. قال: قلت لهم: ويلكم! إبلي وأحمالي! فقيل: لا بأس على إبلك وأحمالك. قال: فانطلق بي حتى أدخلت على الأمير، فسلَّمت عليه ثم قلت: جعلت فداك! إبلي وأمانتي! قال فقال: نحن ضامنون لإبلك وأمانتك حتى نؤدّيها إليك. قال فقلت / عند ذلك: فما حاجة الأمير إليّ جعلني اللَّه فداه؟ قال فقال لي - وإلى جنبه رجل أصفر، لا⁣(⁣٥) واللَّه ما رأيت رجلا قطَّ أشدّ خلقا منه ولا أغلظ عنقا، ما أدري أطوله أكثر أم عرضه -: إن هذا العبد الذي ترى لا واللَّه ما ترك بالمدينة عربيّا⁣(⁣٦) يصارع إلا صرعه، وبلغني عنك قوّة، فأردت أن يجري اللَّه صرع هذا العبد على يديك فتدرك ما عنده من أوتار العرب. قال فقلت: جعلني اللَّه فداء الأمير، إني لغب نصب جائع، فإن رأى الأمير أن يدعني اليوم حتى أضع عن إبلي وأؤدّي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غدا فليفعل. قال فقال لأعوانه: انطلقوا معه فأعينوه على الوضع عن إبله وأداء أمانته وانطلقوا به إلى المطبخ فأشبعوه؛ ففعلوا جميع ما أمرهم به. قال: فظللت بقية يومي ذلك وبتّ ليلتي تلك بأحسن حال شبعا وراحة وصلاح أمر، فلما كان من الغد غدوت عليه وعليّ جبّة لي صوف وبتّ⁣(⁣٧) وليس عليّ إزار إلا أني قد شددت بعمامتي وسطي، فسلَّمت عليه فردّ عليّ السلام، وقال للأصفر: قم إليه، فقد أرى أنه أتاك اللَّه بما يخزيك؛ فقال العبد: اتّزر يا أعرابيّ؛ فأخذت بتّي فاتّزرت به على جبّتي؛ فقال: هيهات! هذا لا يثبت، إذا قبضت عليه جاء في يدي؛ قال فقلت: واللَّه ما لي من إزار؛ قال: فدعا الأمير بملحفة ما رأيت قبلها ولا علا جلدي مثلها، فشددت بها على حقوي⁣(⁣٨) وخلعت الجبّة؛ قال: وجعل العبد يدور / حولي ويريد ختلي وأنا منه وجل ولا أدري كيف أصنع به، ثم دنا مني دنوة فنقد⁣(⁣٩) جبهتي بظفرة نقدة [حتى]⁣(⁣١٠) ظننت أنه قد شجّني وأوجعني، / فغاظني ذلك، فجعلت أنظر


(١) زيادة يقتضيها السياق. وجرجر: ردد صوته في حنجرته. واستخذى: خضع.

(٢) كذا في جميع النسخ، ولكن الذي قاله أئمة اللغة أن فلانا وفلانة بغير أل يكنى بهما عن الآدميين، والفلان والفلانة بأل يكنى بهما عن غيرهم.

(٣) كذا في أ، م. وفي بقية الأصول: «يعني هذا الفحل».

(٤) في ط: «برك» وفي سائر النسخ: «نزل» بالنون بدل الباء، وكلتاهما محرفة عن «بزل». وبزل البعير: فطر نابه ودخل في سنته التاسعة.

(٥) «لا» هذه زائدة، والعرب يزيدونها قبل القسم تمهيدا لنفي الجواب.

(٦) كذا فيء، ط. وفي ح، وفي ح، ب: «عبدا». وفي س، أ، م: «عبدا عربيا».

(٧) البت: كساء غليظ مهلهل مربع أخضر. وقيل: هو من وبر وصوف.

(٨) الحقو: الخصر.

(٩) كذا فيء، ط. ونقد الشيء: نقره بإصبعه. وفي باقي النسخ: «فنفذ جبهتي بظفره نفذة» ونفذ الشيء الشيء: خرقه. والمقام هنا يأباه.

(١٠) الزيادة عن أ، م.