كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار هلال ونسبه

صفحة 42 - الجزء 3

  في خلقه بم أقبض منه، فما وجدت في خلقه شيئا أصغر من رأسه، فوضعت إبهاميّ في صدغيه⁣(⁣١) وأصابعي الأخر في أصل أذنيه، ثم غمزته غمزة صاح منها: قتلتني! قتلتني! فقال الأمير: اغمس رأس العبد في التراب؛ قال فقلت له: ذلك لك عليّ؛ قال: فغمست واللَّه رأسه في التراب ووقع شبيها بالمغشيّ عليه، فضحك الأمير حتى استلقى وأمر لي بجائزة⁣(⁣٢) وكسوة وانصرفت.

  قتل رجلا من بني جلان استجار بمعاذ فقبض عليه للثأر منه، ثم فر إلى اليمن وشعره في ذلك:

  قال أبو الفرج: ولهلال أحاديث كثيرة من أعاجيب شدّته. وقد ذكره حاجب بن ذبيان⁣(⁣٣) فقال لقوم من بني رباب من بني حنيفة في شيء كان بينهم فيه أربع ضربات بالسيف، فقال حاجب:

  وقائلة وباكية بشجو ... لبئس السيف سيف بني رباب

  ولو لاقى هلال بني رزام ... لعجّله إلى يوم الحساب

  وكان هلال بن الأسعر ضربه رجل من بني عنزة ثم من بني جلَّان يقال له عبيد بن جريّ⁣(⁣٤) في شيء كان بينهما، فشجّه وخمشه⁣(⁣٥) خماشة، فأتى هلال بني جلَّان فقال: إن صاحبكم قد فعل بي ما ترون فخذوا لي بحقّي، فأوعدوه وزجروه⁣(⁣٦)؛ فخرج من عندهم وهو يقول: عسى أن يكون لهذا جزاء حتى أتى بلاد قومه؛ فمضى / لذلك زمن طويل حتى درس ذكره؛ ثم إن عبيد بن جريّ قدم الوقبي - وهو موضع من بلاد بني مالك - فلما قدمها ذكر هلالا وما كان بينه وبينه فتخوّفه؛ فسأل عن أعزّ أهل الماء، فقيل له: معاذ بن جعدة بن ثابت بن زرارة بن ربيعة بن سيّار بن رزام بن مازن؛ فأتاه فوجده غائبا عن الماء، فعقد عبيد بن جريّ طرف ثيابه إلى جانب طنب بيت معاذ - وكانت العرب إذا فعلت ذلك وجب على المعقود بطنب بيته للمستجير به أن يجيره وأن يطلب له بظلامته - وكان يوم فعل ذلك غائبا عن الماء، فقيل: رجل استجار بآل معاذ بن جعدة. ثم خرج عبيد بن جريّ ليستقي، فوافق قدوم هلال بإبله يوم وروده، وكان إنما يقدمها في الأيام، فلما نظر هلال إلى ابن جريّ ذكر ما كان بينه وبينه، ولم يعلم باستجارته بمعاذ بن جعدة، فطلب شيئا يضربه به فلم يجده، فانتزع المحور⁣(⁣٧) من السّانية فعلاه به ضربة على رأسه فصرع وقيذا⁣(⁣٨)، وقيل: قتل هلال بن الأسعر جار معاذ بن جعدة! فلما سمع ذلك هلال تخوّف بني جعدة الرّزاميّين، وهم بنو عمه، فأتى راحلته ليركبها. قال⁣(⁣٩) هلال: فأتتني خولة بنت يزيد⁣(⁣١٠) بن ثابت أخي بني


(١) كذا في ط، ء. وفي ب، س، ح: «فوضعت إبهامي في صدغه وأصابعي الأخر في أصل أذنه الأخرى». وفي أ، م: «في أصل أذنه» بدون الأخرى.

(٢) كذا في أغلب النسخ. وفي ب، س: «بجائزة وصلة وكسوة». وفي ح: «بجائزة وصلة وكسوة ومئزرة ثم انحدرت إلخ».

(٣) كذا فيء وهامش ط، وهكذا ورد في «تاريخ ابن جرير الطبري» في حوادث سنة ١٠ طبع أوروبا. وفي ح: «صاحب بن ذبيان» وفي باقي الأصول «حاجب بن دينار».

(٤) كذا في أكثر النسخ. وفي ط، ح: «حرى» بالحاء المهملة.

(٥) الخمش: الخدش في الوجه، وقد يستعمل للخدش في سائر الجسد.

(٦) كذا في أ، م، س. وفي باقي النسخ: «زبروه».

(٧) المحور الحديدة التي تجمع بين الخطاف والبكرة. والسانية: الدلو العظيمة مع أدواتها.

(٨) الوقيذ: الدنف الذي أشفى على الموت.

(٩) كذا في أ، م، ح. وفي سائر النسخ: «فقال» ولا موقع لهذه الفاء.

(١٠) في ط، ح، ء: «زيد».