أخبار هلال ونسبه
  جعدة بن ثابت، وهي جدّة أبي السّفّاح زهيد(١) بن عبد اللَّه بن مالك أمّ أبيه، فتعلَّقت بثوب هلال، ثم قالت: أي عدوّ اللَّه قتلت جارنا! واللَّه لا تفارقني حتى يأتيك رجالنا! قال هلال: والمحور في يدي لم أضعه؛ قال: فهممت أن أعلو به رأس خولة، ثم قلت في نفسي: عجوز لها سنّ وقرابة! قال: فضربتها برجلي ضربة رميت بها من بعيد، ثم أتيت / ناقتي فأركبها(٢) ثم أضربها هاربا. وجاء معاذ بن جعدة وإخوته - وهم يومئذ تسعة إخوة - وعبد اللَّه بن مالك زوج لبنت معاذ [و](٣) يقال لها جبيلة، وهو مع / ذلك ابن عمتهم خولة بنت يزيد بن ثابت، فهو معهم كأنه بعضهم؛ فجاؤوا من آخر النهار فسمعوا الواعية(٤) على الجلَّانيّ وهو دنف لم يمت، فسألوا عن تلك الواعية فأخبروا بما كان من استجارة الجلَّانيّ بمعاذ بن جعدة وضرب هلال له من بعد ذلك؛ فركب الاخوة التسعة وعبد اللَّه بن مالك عاشرهم، وكانوا أمثال الجبال في شدّة خلقهم مع نجدتهم، وركبوا معهم بعشرة غلمة لهم أشدّ منهم خلقا لا يقع لأحد منهم سهم في غير موضع يريده من رميّته، حتى تبعوا هلالا؛ وقد نسل(٥) هلال من الهرب يومه ذلك كلَّه وليلته، فلما أصبح أمنهم وظنّ أن قد أبعد في الأرض ونجا منهم؛ وتبعوه، فلما أصبحوا من تلك الليلة قصّوا(٦) أثره، وكان لا يخفى أثره على أحد لعظم قدمه، فلحقوه من بعد الغد، فلما أدركوه وهم عشرون ومعهم النّبل والقسيّ والسيوف والتّرسة(٧)، ناداهم: يا بني جعدة، إني أنشدكم اللَّه! أن أكون قتلت رجلا غريبا طلبته بترة تقتلوني وأنا ابن عمّكم! وظنّ أنّ الجلَّانيّ قد مات، ولم يكن مات إلى أن تبعوه وأخذوه؛ فقال معاذ: واللَّه لو أيقنّا أنه قد مات ما ناظرنا بك(٨) القتل من ساعتنا ولكنّا تركناه ولم يمت، ولسنا نحبّ قتلك إلَّا أن تمتنع منا، ولا نقدم عليك حتى نعلم ما يصنع جارنا؛ فقاتلهم وامتنع منهم، فجعل معاذ يقول لأصحابه وغلمانه: لا ترموه / بالنبل ولا تضربوه بالسيوف، ولكن ارموه بالحجارة واضربوه بالعصيّ حتى تأخذوه؛ ففعلوا ذلك، فما قدروا على أخذه حتى كسروا من إحدى يديه ثلاث أصابع ومن الأخرى إصبعين، ودقّوا ضلعين من أضلاعه وأكثروا الشّجاج في رأسه، ثم أخذوه وما كادوا يقدرون على أخذه، فوضعوا في رجله أدهم(٩)، ثم جاؤوا به وهو معروض على بعير حتى انتهوا به إلى الوقبى فدفعوه إلى الجلَّاني ولم يمت بعد، فقالوا(١٠): انطلقوا به معكم إلى بلادكم ولا تحدثوا في أمره شيئا حتى تنظروا ما يصنع بصاحبكم، فإن مات فاقتلوه وإن حيي فأعلمونا حتى نحمل لكم أرش(١١) الجناية. فقال الجلَّانيّون: وفت ذمّتكم يا بني جعدة، وجزاكم اللَّه أفضل ما يجزي به خيار الجيران، إنّا نتخوّف أن ينزعه منّا قومكم إن خلَّيتم عنّا وعنهم وهو في أيدينا؛ فقال لهم معاذ: فإني أحمله معكم وأشيّعكم حتى تردوا بلادكم، ففعلوا ذلك،
(١) كذا في أكثر النسخ. وفي إحدى روايتي ط: «مهند». وفي ح: «وهي جدة أبي السفاح وهي بنت عبد اللَّه إلخ».
(٢) في ح: «فركبتها».
(٣) هذه الواو ساقطة من ب، س، ح.
(٤) الواعية: الصراخ على الميت.
(٥) نسل: أسرع في سيره.
(٦) قص أثره قصا وقصصا: تتبعه.
(٧) الترسة: جمع ترس، وهو صفيحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف.
(٨) ما ناظرنا بك القتل: ما أخرناه. ولم نجد هذه الصيغة بهذا المعنى في كتب اللغة التي بين أيدينا.
(٩) الأدهم: القيد.
(١٠) كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «فقال».
(١١) الأرش: دية الجراحات.