كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر معبد وبعض أخباره

صفحة 66 - الجزء 1

  معبد وابن محرز

  أقبلت من عند معبد، فلقيني ابن محرز ببطحان⁣(⁣١)، فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي⁣(⁣٢) عبّاد.

  فقال: ما أخذت عنه؟ قلت: غنّى صوتا فأخذته. قال: وما هو؟ قلت:

  ماذا تأمّل واقف جملا ... في ربع دار عابه قدمه

  - الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد - فقال لي: ادخل معي دار ابن هرمة وألقه عليّ، فدخلت معه، فما زلت أردّده عليه حتى غنّاه، ثم قال: ارجع معي إلى أبي عبّاد، فرجعنا فسمعه منه، ثم لم نفترق⁣(⁣٣) حتى صنع فيه ابن محرز لحنا آخر.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  ماذا تأمّل واقف جملا ... في ربع دار عابه قدمه

  أقوى وأقفر غير منتصب ... لبد الرّمادة ناصع حممه⁣(⁣٤)

  غنّاه معبد، ولحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى. وفيه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى ينسب إلى الغريض وإلى ابن محرز. وذكر عمرو بن بانة أنّ الثقيل الأوّل للغريض. وذكر حبش أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى. وفيه رمل بالوسطى ينسب إلى سائب خاثر، وذكر حبش أنه لإسحاق.

  قدوم ابن سريج والغريض المدينة ثم ارتدادهما عنها بعد سماعهما صوت معبد

  أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي قال ابن الكلبيّ:

  قدم ابن سريج والغريض المدينة يتعرّضان لمعروف أهلها، ويزوران من بها من صديقهما⁣(⁣٥) من قريش وغيرهم. فلما شارفاها⁣(⁣٦) تقدّما ثقلهما ليرتادا منزلا، حتى إذا كانا بالمغسلة⁣(⁣٧) - وهي جبّانة على طرف المدينة يغسل فيها الثياب - إذا هما بغلام ملتحف بإزار وطرفه على رأسه، بيده حبالة يتصيّد بها الطير وهو يتغنّى ويقول:

  القصر فالنخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون

  وإذا الغلام معبد. قال: فلمّا سمع ابن سريج والغريض معبدا مالا إليه واستعاداه الصوت فأعاده، فسمعا شيئا


(١) بضم فسكون، كذا يقوله المحدّثون أجمعون. وحكى أهل اللغة: بطحان كقطران، وقيل فيه بطحان بفتح فسكون. وهو أحد أودية المدينة الثلاثة، وهي العقيق وبطحان وقناة. (انظر «التاج» مادة بطح).

(٢) كذا في جميع النسخ. وفي ب، س: «من أين أقبلت؟ قلت من عند معبد، فلقيني ابن أبي عباد فقال الخ» وهي زيادة مخلة بالمعنى.

(٣) كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «فسمعته منه ثم لم نعترف» وهو تحريف.

(٤) لبد الرمادة: متلصّقها؛ يقال: تلبد الشعر والصوف إذا تلصّق، وتلبد التراب والرمل كذلك، ولبده المطر. وهو وصف لربع في البيت السابق. والحمم: واحدته حممة، وهي الرماد والفحم وكل ما احترق من النار.

(٥) الصديق: يقال للواحد والجمع؛ قال تعالى: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}.

(٦) شارف الشيء: دنا منه وقرب.

(٧) ضبطه في «القاموس» كمنزلة.