كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عروة بن الورد ونسبه

صفحة 56 - الجزء 3

  لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السّنة ألحق كلّ إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمّي عروة الصعاليك، فقال في ذلك⁣(⁣١) بعض السنين وقد ضاقت حاله:

  لعلّ ارتيادي⁣(⁣٢) في البلاد وبغيتي ... وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحل

  سيدفعني يوما إلى ربّ هجمة⁣(⁣٣) ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

  أغار مع جماعة من قومه على رجل فأخذ إبله وامرأته ثم اختلف معهم فهجاهم:

  فزعموا أن اللَّه ø قيّض له وهو مع قوم من هلَّاك⁣(⁣٤) عشيرته في شتاء شديد ناقتين دهماوين، فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم وضعفاءهم على الأخرى، وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وكان بين النّقرة⁣(⁣٥) والرّبذة⁣(⁣٦) فنزل بهم ما بينهما بموضع يقال له: ماوان⁣(⁣٧). ثم إن اللَّه ø قيّض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فرّ بها من حقوق⁣(⁣٨) قومه - وذلك أوّل ما ألبن الناس - فقتله وأخذ إبله وامرأته، وكانت من أحسن النساء، فأتى بالإبل أصحاب الكنيف فحلبها لهم وحملهم عليها، حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا⁣(⁣٩) واللات / والعزّى لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا فمن شاء أخذها، فجعل يهمّ بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع، فأفكر طويلا ثم أجابهم إلى أن يردّ عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه، حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه؛ فقال عروة في ذلك قصيدته التي أوّلها:

  ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ... كما الناس لمّا أمرعوا وتموّلوا

  وإني لمدفوع إليّ ولاؤهم ... بماوان إذ نمشي وإذ نتململ

  وإنّي وإيّاهم كذي الأمّ أرهنت⁣(⁣١٠) ... له ماء عينيها تفدّي وتحمل⁣(⁣١١)


(١) وهو تحريف.

(١) كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «فقال في بعض السنين إلخ».

(٢) في «ديوان الحماسة»:

لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي

(٣) الهجمة من الإبل: أوّلها أربعون إلى ما زادت أو ما بين السبعين إلى المائة أو إلى دوينها فإذا بلغت المائة فهي «هنيدة».

(٤) كذا في أكثر النسخ والهلاك: الصعاليك. وفي ب، س، ح: «هلال» بلامين وهو تحريف.

(٥) النقرة - بفتح أوّله وسكون ثانيه أو بفتح أوّله وكسر ثانيه -: من منازل حاج الكوفة بين أضاخ وماوان.

(٦) الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من قيد تريد مكة، وبها قبر أبي ذر الغفاري.

(٧) ماوان: قرية في أودية العلاة من أرض اليمامة.

(٨) في «شرح الحماسة»: «عقوق» بالعين.

(٩) كذا في ب، س، ح، بإثبات «لا» وقد سقطت من باقي النسخ.

(١٠) أرهنت: أدامت، وقد جاء في «ديوان الحماسة» ص ٢٣٠ طبع أوروبا شرحا لهذا البيت ما نصه: وهذا مثل، تقول المرأة لولدها ربيتك ماء عيني فضلا عن كل شيء.

(١١) في «ديوان الحماسة» «تجمل» أي ترفق.