كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 171 - الجزء 3

  فقال: انظروا ما هذا الأذان! فإذا بشّار يؤذّن سكران؛ فقال له: يا زنديق يا عاضّ بظر أمه، عجبت أن يكون هذا غيرك، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران! ثم دعا بابن نهيك فأمره بضربه بالسّوط فضربه بين يديه على صدر الحرّاقة⁣(⁣١) سبعين سوطا أتلفه فيها، فكان إذا أوجعه السوط يقول: حسّ - وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع - فقال له بعضهم: انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول: حسّ، ولا يقول: باسم اللَّه؛ فقال: ويلك! أطعام هو فأسمّي اللَّه عليه! فقال له الآخر: أفلا قلت: الحمد للَّه؛ قال: أو نعمة هي حتّى أحمد اللَّه عليها! فلما ضربه سبعين سوطا بان الموت فيه، فألقي في سفينة حتّى مات ثم رمي به في البطيحة، فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة فدفن بها.

  أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال:

  لما ولي صالح بن داود أخو يعقوب بن داود وزير المهديّ البصرة، قال بشّار يهجوه:

  هم حملوا فوق المنابر صالحا ... أخاك فضجّت من أخيك المنابر

  فبلغ ذلك يعقوب فدخل على المهديّ فقال: يا أمير المؤمنين، أبلغ من قدر هذا الأعمى المشرك أن يهجو أمير المؤمنين! قال: ويحك! وما قال؟ قال: يعفيني / أمير المؤمنين من إنشاده، ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّمه. فقال خالد بن يزيد بن وهب في خبره: وخاف يعقوب بن داود أن يقدم على المهديّ فيمدحه ويعفو عنه، فوجّه إليه من استقبله / فضربه بالسّياط حتّى قتله ثم ألقاه في البطيحة في الخرّارة⁣(⁣٢).

  هجا يعقوب بن داود حين لم يحفل به:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن محمد⁣(⁣٣) النّوفليّ عن أبيه وعن جماعة من رواة البصريين، وأخبرنا يحيى بن عليّ عن أحمد بن أبي طاهر عن علي بن محمد، وخبره أتم، قالوا:

  خرج بشّار إلى المهديّ، ويعقوب بن داود وزيره، فمدحه ومدح يعقوب، فلم يحفل به يعقوب ولم يعطه شيئا، ومرّ يعقوب ببشّار يريد منزله، فصاح به بشّار:

  طال الثّواء على رسوم المنزل

  فقال يعقوب:

  فإذا تشاء أبا معاذ فارحل

  فغضب بشّار وقال يهجوه:

  بني أميّة هبّوا طال نومكم ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود

  ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة اللَّه بين الزّقّ والعود

  قال النوفليّ: فلما طالت أيام بشّار على باب يعقوب دخل عليه، وكان من عادة بشّار إذا أراد أن ينشد أو


(١) الحراقة: واحدة الحراقات وهي سفن بالبصرة فيها مرامي نيران يرمي بها العدوّ.

(٢) الخرّارة: موضع بالبطيحة، وسيذكر المؤلف ذلك في «ص ٢٤٨» من هذا الجزء.

(٣) كذا في ح وهو الموافق لما اتفقت عليه النسخ جميعا في هذا السند حين تكرر الإسناد إليه من راوية آخر. وفي باقي النسخ:

«حماد».