كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الرحيم الدفاف ونسبه

صفحة 190 - الجزء 3

  أن جيشا لبني عامر بن صعصعة أقبل وعليهم ثلاثة رؤساء: ذؤاب بن غالب من عقيل ثم من بني كعب بن ربيعة، وعبد اللَّه بن عمرو من بني الصّموت، وعقيل بن مالك من بني نمير⁣(⁣١)، وهم يريدون غزو بني ثعلبة بن سعد رهط الحادرة / ومن معهم من محارب، وكانوا يومئذ معهم، فنذرت⁣(⁣٢) بهم بنو ثعلبة، فركب قيس بن مالك المحاربيّ الخصفيّ وجؤيّة بن نصر الجرميّ أحد بني ثعلبة للنظر إلى القوم، فلما دنوا منهم عرف عقيل بن مالك النميريّ⁣(⁣٣) جؤيّة بن نصر الجرميّ، فناداه: إليّ يا جؤيّة بن نصر فإنّ لي خبرا أسرّه إليك؛ فقال: إليك أقبلت لكن لغير ما ظننت، فقال له: ما فعلت قلوص؟ - يعني امرأته -؛ فقال: هي في الظَّعن أسرّ ما كانت قطَّ وأجمله؛ ثم حمل كلّ واحد منهما على صاحبه واختلفا طعنتين⁣(⁣٤) فطعنه جؤيّة طعنة دقّت صلبه، وانطلق قيس بن مالك المحاربيّ إلى بني ثعلبة فأنذرهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت بنو نمير وسائر بني عامر ومات عقيل النّميري وقتل ذؤاب بن غالب وعبد اللَّه بن عمرو أحد بني الصّموت؛ فقال الحادرة في ذلك:

  كأنّ عقيلا في الضّحى حلَّقت به ... وطارت به في الجوّ عنقاء مغرب⁣(⁣٥)

  ويروى: «وطارت به في اللَّوح»، وهو الهواء.

  وذي كرم يدعوكم آل عامر ... لدى معرك سرباله يتصبّب

  رأت عامر وقع السيوف فأسلموا ... أخاهم ولم يعطف من الخيل مرهب

  وسلَّم لمّا أن رأى الموت عامر ... له مركب فوق الأسنّة أحدب

  / إذا ما أظلَّته عوالي رماحنا ... تدلَّى به نهد⁣(⁣٦) الجزارة منهب⁣(⁣٧)

  على صلويه⁣(⁣٨) مرهفات كأنها ... قوادم نسر بزّ عنهنّ منكب

  قال: وفي هذه الوقعة يقول خداش بن زهير:

  أيا أخوينا من أبينا وأمّنا ... إليكم إليكم لا سبيل إلى جسر

  / جسر: قبيلة من محارب. قال: وهذا اليوم يعرف بيوم شواحط، قبيلة من محارب⁣(⁣٩).


(١) كذا في نسخة الشيخ الشنقيطي طبع بولاق مصححة بقلمه، ويؤيده ما يأتي في سياق الخبر من نسبة عقيل إلى بني نمير ولأن الظاهر من الخبر أن الرؤساء الثلاثة من بني عامر بن صعصعة، ونمير من بني عامر بن صعصعة ككعب بن ربيعة، وعامر بن صعصعة من قبائل قيس، ولا صلة لها بتميم. وفي جميع الأصول: «تميم».

(٢) نذر بالشيء (كفرح): علمه.

(٣) في ب، س، م: «النمريّ» وهو تحريف.

(٤) أي اختلفت طعنتاهما فكانت إحدى الطعنتين في إثر الأخرى.

(٥) يقال: عنقاء مغرب على النعت وعنقاء مغرب على الإضافة. والعنقاء: طائر معروف الاسم مجهول الجسم؛ والعرب إذا أخبرت عن هلاك شيء قالت: حلَّقت به في الجوّ عنقاء مغرب.

(٦) نهد الجزارة: ضخمها، والجزارة في الأصل: أطراف الجزور وهي اليدان والرجلان والرأس؛ والمراد هنا أطراف فرس، وإذا قالوا:

«فرس ضخم الجزارة» فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبها، ولا يدخل الرأس في هذا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل.

(٧) المنهب: الفرس الفائق في العدو.

(٨) الصلا: وسط الظهر من الناس ومن كل ذي أربع وما انحدر من الوركين، وقيل: الفرجة بين الجاعرة والذنب، وقيل: ما عن يمين الذئب وشماله، وهما «صلوان» والجمع: صلوات وأصلاء.

(٩) هذه الكلمة (قبيلة من محارب) وردت هكذا في جميع الأصول، والظاهر أنها من زيادات النساخ لأن شواحطا جبل مشهور بين مكة والمدينة وهو الجبل الذي أغارت به سرية من بني عامر على إبل لبني محارب (انظر «معجم ياقوت» و «معجم ما استعجم» للبكري