أخبار الحارث بن خالد المخزومي ونسبه
  لو بدّلت أعلى(١) مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
  / فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيردّه الإقواء(٢) والمحل
  لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
  - قال عمر بن شبّة: وحدّثني محمد بن سلَّام بهذا الخبر على نحو ممّا ذكره أبو غسّان، وزاد فيه: - فقال مولى ابن أبي ربيعة لمولى الحارث: واللَّه ما يحسن مولاك في شعر إلا نسب إلى مولاي.
  قال ابن سلَّام: وأنشد الحارث بن خالد عبد اللَّه بن عمر هذه الأبيات كلَّها حتى انتهى إلى قوله:
  لعرفت مغناها بما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
  فقال له ابن عمر: قل: إن شاء اللَّه؛ قال: إذا يفسد بها الشعر يا عمّ، فقال له: يا بن أخي، إنه لا خير في شيء يفسده «إن شاء اللَّه». قال عمر: وحدّثني هذه الحكاية إسحاق بن إبراهيم في مخاطبته لابن عمر ولم يسندها إلى أحد، وأظنّه لم يروها إلا عن محمد بن سلَّام. وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي الفضل المرورّوذيّ عن إسحاق عن أبي عبيدة، فذكر قصّة الحارث مع ابن عمر مثل الذي تقدّمه.
  فضّله كثيّر الشاعر في الشعر على نفسه وأنشد من شعره:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال حدّثني أبو سلمة الغفاريّ عن يحيى بن عروة بن أذينة عن أبيه قال:
  كان كثيّر جالسا في فتية من قريش إذ مرّ بهم سعيد الرأس(٣)، وكان مغنّيا، فقالوا لكثيّر: يا أبا صخر، هل لك أن نسمعك غناء هذا، فإنه مجيد؟ قال: افعلوا؛ فدعوا به فسألوه أن يغنّيهم:
  صوت
  هلَّا سألت معالم الأطلال ... بالجزع من حرض(٤) وهنّ بوالي
  سقيا لعزّة خلَّتي سقيا لها ... إذ نحن بالهضبات من أملال(٥)
  إذ لا تكلَّمنا وكان كلامها ... نفلا(٦) نؤمّله من الأنفال
  فغنّاه، فطرب كثيّر وارتاح، وطرب القوم جميعا، واستحسنوا قول كثيّر، وقالوا له: يا أبا صخر ما يستطيع(٧)
(١) كذا في ح وفي باقي الأصول: «أعلام ساكنها» وهو تحريف.
(٢) أقوت الدار إقواء: أقفرت، والمحل: الجدب.
(٣) لم نوفق إلى ضبط هذا الاسم، فلعله «الرأس» وزان شداد وهو بائع الرؤوس.
(٤) حرض: واد عند أحد.
(٥) أملال ويقال له ملل: موضع على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة، هكذا ذكره ياقوت في «معجمه» واستشهد بهذا البيت من شعر كثيّر.
(٦) النفل: الغنيمة والعطية.
(٧) كذا في جميع الأصول «ما يستطيع» بدون همزة الاستفهام، ولكن الجواب بكلمة «بلى» يدل على أن القصد من الجملة الاستفهام، وهمزة الاستفهام مما يجوز حذفه (انظر «المغني» لابن هشام في بحث الألف من الباب الأوّل). ويحتمل أن يكون «ما يستطيع» نفيا محضا وأن التحريف في «بلى» وأن أصلها «بل» الإضرابية.