كلمة دار إحياء التراث العربي
  بدأ بخبر أبي قطيفة ونسبه، وذكر معبد وبعض أخباره، ثم عمر بن أبي ربيعة ونسبه وهكذا ... حتى انتهى بأخبار المتلمس في آخر الكتاب.
  وقد جعل المؤلف مبنا كتابه على مائة الصوت المختارة للرشيد، وبدأ فيه بذكر الأصوات الثلاثة المختارة من جميع الغناء، ونسب كل ما ذكره منها إلى قائل شعره وصانع لحنه وطريقته على شرح لذلك وتفسير للمشكل الغريب وبيان عروض الشعر وضربه.
  وأتى بكل فصل من ذلك بنتف تشاكله، ولمع تليق به، وفقر إذا تأمّلها قارؤها لم يزل متنقّلا من فائدة إلى مثلها، ومتصرّفا فيها بين جدّ وهزل، وآثار وأخبار، وسير وأشعار متصلة بأيام العرب المشهورة وأخبارها المأثورة، وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدبين معرفتها، وتحتاج الأحداث إلى دراستها، ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها، إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها، ومأخوذة من مظانها، ومنقولة من أهل الخبرة بها.
  فلا عجب أن يكون هذا الكتاب أكبر مرجع عربي في ذكر الغناء وتاريخه وقواعده والآلات الموسيقية التي كانت على عصره، أو سابقة عليه، ليس هذا فحسب بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع وأشمل، فإنه ما يكاد يذكر صوتا أي لحنا حتى ينطلق منه إلى المغني وأخباره وأشعاره وإن كان متصلا بخليفة أو ملك تحدّث عن هذا الملك أو ذاك الخليفة، وعلى صفحاته تنتشر أخبار العرب وأيامهم، وأنسابهم، ومفاخرهم، ووصف لحياتهم الاجتماعية، ويركز على مراكز الغناء وخاصة المدينة ومكة وبغداد. هذا فضلا عن مئات التراجم وعديد السير، بالإضافة إلى المجموعة الهائلة من الصور الأدبية من شعر، وكتابة، وخطابة، وقصص ونوادر.
  هذا وقد امتدح الكتاب غير واحد من أوعية العلم والأدب على ما ذكرناه في الصفحة (٥) وصار مدار اهتمام وعناية العلماء فاختصره جماعة:
  منهم ابن المغربي (ت ٤١٨ هـ)، والأمير عز الملك المسبّحي الكاتب (ت ٤٢٠ هـ)، والقاضي ابن واصل الحموي (ت ٦٩٧ هـ)، وابن منظور صاحب لسان العرب (ت ٧١١ هـ) وغيرهم(١) مما هو مذكور في ترجمة أبي الفرج في الصفحات (١٤ - ٢٤) من هذا الجزء.
  لكن رغم مدح الكتاب فإن الإنصاف يدعونا إلى ذكر العلماء الذين قدحوا فيه وفي صحة روايته:
  فقد ذكره الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) في «تاريخ بغداد»(٢) فقال:
  «كان أبو الفرج الأصبهاني من أكذب الناس، كان يدخل سوق الورّاقين وهي عامرة والدكاكين مملؤة بالكتب، فيشتري شيئا كثيرا من الصحف ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها ...».
  وذكره الإمام ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت ٥٩٧ هـ) في تاريخه المسمى «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»(٣) فقال: «إنه كان متشيعا، ومثله لا يوثق بروايته، فإنه يصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق،
(١) راجع مختصرات كتاب «الأغاني» في الصفحات (٢٦ - ٢٧) من هذا الجزء.
(٢) الخطيب البغدادي «تاريخ بغداد» (١١/ ٣٩٨ - ٤٠٠) ترجمة (٦٢٧٨).
(٣) ابن الجوزي «المنتظم» (١٤/ ١٨٥) وفيات سنة (٣٥٦ هـ) ترجمة (٢٦٥٨).