كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 329 - الجزء 4

  / فاختر⁣(⁣١)

  لنفسك دونها سبلا ولا ... تتحامقنّ لها فإنّك لاهي

  لا يعجبنّك أن يقال مفوّه ... حسن البلاغة أو عريض الجاه

  أصلح جهولا من سريرتك الَّتي ... تخلو بها وارهب مقام اللَّه

  إنّي رأيتك مظهرا لزهادة ... تحتاج منك لها إلى أشباه

  كان عبد اللَّه بن العباس بن الفضل مشغوفا بالغنا في شعره:

  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني الحسين بن يحيى الصوليّ قال حدّثني عبد اللَّه بن العبّاس بن الفضل بن الرّبيع قال:

  رآني الرشيد مشغوفا بالغناء في شعر أبي العتاهية:

  صوت

  أحمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا

  فتنفّست ثم قلت نعم حب ... بّا جرى في العروق عرقا فعرقا

  لو تجسّين يا عتيبة قلبي ... لوجدت الفؤاد قرحا تفقّا

  قد لعمري ملّ الطبيب وملّ ... الأهل منّي مما أقاسي وألقى

  ليتني متّ فاسترحت فإنّي ... أبدا ما حييت منها ملقّى⁣(⁣٢)

  ولا سيما من مخارق، وكان يغنّي فيه رملا لإبراهيم أخذه عنه. وفيه لحن لفريدة رمل. هكذا قال الصّولي:

  «فريدة» بالياء، وغيره يقول: «فرندة» بالنون.

  أمره الرشيد أن يقول شعرا يغني فيه الملاحون فلما سمعه بكى:

  حدّثني الصّولي قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا محمد بن صالح العدويّ قال أخبرني أبو العتاهية قال:

  كان الرشيد مما يعجبه غناء الملَّاحين في الزّلَّالات⁣(⁣٣) إذا ركبها، وكان يتأذّى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال:

  قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرا يغنّون فيه. / فقيل له: ليس أحد أقدر على / هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال: فوجّه إليّ الرشيد: قل شعرا حتّى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي؛ فغاظني ذلك فقلت:

  واللَّه لأقولنّ شعرا يحزنه ولا يسرّ به، فعملت شعرا ودفعته إلى من حفّظه الملَّاحين. فلمّا ركب الحرّاقة⁣(⁣٤) سمعه، وهو:

  خانك الطَّرف الطَّموح ... أيّها القلب الجموح


(١) في ح: «فاحتل».

(٢) الملقى: الممتحن الذي لا يزال يلقاه مكروه.

(٣) لم نجد هذا الاسم في «كتب اللغة» التي بين أيدينا بالمعنى المراد منه هنا. وظاهر أن المراد به نوع من السفن.

(٤) الحرّافة: ضرب من السفن الحربية الكبيرة فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر. وكان منها أنواع تستعمل للنزهة والرياضة والتنقل عند الخلفاء والملوك والأمراء في أوّل العصر العباسي (مثل الذهبية عندنا) وهي المرادة هنا.