ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  انقطع بعد خروجه من الحبس فلامه الرشيد فكتب له شعرا معتذرا ومادحا:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثنا الرّبيع بن محمد الختّليّ الورّاق قال أخبرني ابن أبي العتاهية:
  / أنّ الرشيد لمّا أطلق أباه من الحبس، لزم بيته وقطع الناس؛ فذكره الرشيد فعرّف خبره، فقال: قولوا له:
  صرت زير نساء وحلس(١) بيت؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
  برمت بالنّاس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحدة
  ما أكثر النّاس لعمري وما ... أقلَّهم في منتهى العدّه
  ثم قال: لا ينبغي أن يمضي شعر إلى أمير المؤمنين ليس فيه مدح له، فقرن هذين البيتين بأربعة أبيات مدحه فيها، وهي:
  صوت
  عاد لي من ذكرها نصب ... فدموع العين تنسكب
  وكذاك الحبّ صاحبه ... يعتريه الهمّ والوصب
  / خير من يرجى ومن يهب ... ملك دانت له العرب
  وحقيق أن يدان له ... من أبوه للنّبيّ أب
  أمره الرشيد أن يعظه فقال شعرا فبكى:
  حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا عون بن محمد قال حدّثنا محمد بن أبي العتاهية قال:
  قال الرشيد لأبي: عظني؛ فقال له: أخافك. فقال له: أنت آمن. فأنشده:
  لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... إذا تستّرت بالأبواب والحرس
  واعلم بأنّ سهام الموت قاصدة ... لكلّ مدّرع منّا ومتّرس
  ترجو النجاة ولم تسلك طريقتها ... إنّ السفينة لا تجري على اليبس
  قال: فبكى الرشيد حتى بل كمّه.
  تناظر ابن أبي فنن وابن خاقان فيه وفي أبي نواس، ثم حكما ابن الضحاك ففضله:
  حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
  قال لي أحمد بن أبي فنن: تناظرت أنا والفتح بن خاقان في منزله: أيّما [الرجلين] أشعر: أبو نواس أم أبو العتاهية. فقال الفتح: أبو نواس، وقلت: أبو العتاهية. ثم قلت: لو وضعت أشعار العرب كلَّها بإزاء شعر أبي العتاهية لفضلها، وليس بيننا خلاف في أنّ له في كلّ قصيدة جيّدا ووسطا وضعيفا، فإذا جمع جيّده كان أكثر من جيّد كلّ مجوّد. [ثم] قلت له: بمن ترضى؟ قال: بالحسين بن الضحّاك. فما انقطع كلامنا حتّى دخل الحسين بن
(١) حلس بيت: ملازمه لا يبرحه، وهو مما يذم به الرجل.