أخبار فريدة
  قال صالح بن حسّان يوما: ما نصف بيت كأنّه أعرابيّ في شملة، والنصف الآخر كأنّه مخنّث مفكَّك؟ قلت:
  لا أدري. فقال: قد أجّلتك حولا. فقلت: لو أجّلتني عشرة أحوال ما عرفته. فقال: أوّه! أفّ لك! قد كنت أحسبك أجود ذهنا مما أرى. فقلت: فما هو الآن؟ قال: قول جميل.
  ألا أيّها الرّكب النّيام ألا هبّوا
  هذا كلام أعرابيّ، ثم قال:
  أسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ
  كأنّه واللَّه من مخنثي العقيق.
  أخبار فريدة وهي المحسنة دون فريدة الكبرى:
  وأمّا فريدة الأخرى فهي الَّتي أرى بل لا أشكّ في أنّ اللَّحن المختار لها؛ لأنّ إسحاق اختار هذه المائة الصوت للواثق، فاختار فيها لمتيّم لحنا، ولأبي دلف لحنا، ولسليم بن سلَّام لحنا، ولرياض جارية أبي حمّاد لحنا. وكانت فريدة أثيرة عند الواثق وحظيّة لديه جدّا، فاختار لها هذا الصوت، لمكانها من الواثق، ولأنّها ليست دون من اختار له من نظرائها.
  قدّمت هي وشارية في الطيب وإحكام الغناء:
  أخبرني الصّوليّ قال / حدّثنا الحسين بن يحيى عن ريّق: أنّها اجتمعت هي وخشف الواضحيّة يوما، فتذاكرتا أحسن ما سمعتاه من المغنّيات؛ فقالت ريّق: شارية أحسنهنّ غناء ومتيّم، وقالت خشف: عريب وفريدة؛ ثم اجتمعنا على تساويهنّ، وتقديم متيّم في الصّنعة، وعريب في الغزارة والكثرة، وشارية وفريدة في الطَّيب وإحكام الغناء.
  أهداها ابن بانة للواثق:
  حدّثني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللَّه الهشاميّ قال:
  كانت فريدة جارية الواثق لعمرو بن بانة، وهو أهداها إلى الواثق، وكانت من الموصوفات المحسنات، وربّيت عند عمرو بن بانة مع صاحبة لها اسمها «خلّ»، وكانت حسنة الوجه، حسنة الغناء، حادّة الفطنة والفهم.
  سألت ابن بانة عن صاحبة لها بالإشارة:
  قال الهشاميّ فحدّثني عمرو بن بانة قال: غنّيت الواثق:
  قلت حلَّا(١) فاقبلي معذرتي ... ما كذا يجزي محبّ من أحبّ
  فقال لي: تقدّم إلى السّتارة فألقه على فريدة، فألقيته عليها؛ فقالت: هو حلّ(٢) أو خلّ كيف هو؟ فعلمت أنها سألتني عن صاحبتها في خفاء من الواثق.
(١) كذا في ترجمة عمر بن أبي ربيعة الواردة في هذا الكتاب (ج ١ ص ١٣٤ من هذه الطبعة). وفي الأصول هنا: «خلا» بالخاء المعجمة.
(٢) في الأصول: «خلى» بالخاء المعجمة والياء في آخره.