أخبار فريدة
  تزوّجها المتوكل ثم ضربها حتى غنت:
  ولمّا تزوّجها المتوكل أرادها على الغناء، فأبت أن تغنّي وفاء للواثق، فأقام على رأسها خادما وأمره أن يضرب رأسها أبدا أو تغنّي؛ فاندفعت وغنّت:
  فلا تبعد(١) فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
  نقل ابن بسخنر قصة لها مع الواثق وغيرته من جعفر المتوكل:
  أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجم قال حدّثني محمد بن الحارث بن بسخنّر قال:
  كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار؛ فإن نشط إلى الشّرب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت. وكان رسمنا ألَّا يحضر أحد منّا إلَّا في يوم نوبته. فإنّي لفي منزلي في غير يوم نوبتي إذا رسل الخليفة قد هجموا عليّ وقالوا لي: احضر. فقلت: ألخير؟ قالوا: خير. فقلت: إنّ هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قطَّ، ولعلكم غلطتم. فقالوا: اللَّه المستعان، لا تطل / وبادر؛ فقد أمرنا ألَّا ندعك تستقرّ على الأرض. فداخلني فزع شديد؛ وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، أو بليّة قد حدثت في رأي الخليفة عليّ؛ فتقدّمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار؛ فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل، فمنعت، وأخذ بيدي الخدم فأدخلوني وعدلوا بي إلى ممرّات(٢) لا أعرفها، فزاد ذلك في جزعي وغمّي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصّحن، ملبسة الحيطان بالوشى المنسوج بالذهب، ثم أفضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصّع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه وفي حجرها عود. فلمّا رآني قال: جوّدت(٣) واللَّه يا محمد إلينا. فقبّلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين خيرا! قال: خيرا، أما ترانا(٤)! طلبت واللَّه ثالثا يؤنسنا فلم أر أحقّ بذلك منك، فبحياتي بادر فكل شيئا وبادر إلينا. فقلت: قد واللَّه يا سيّدي أكلت وشربت أيضا. قال: فاجلس فجلست، وقال:
  هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك، واندفعت فريدة تغنّي:
  /
  أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
  وما هجرتك النّفس يا ليل أنّها ... قلتك ولا أن قلّ منك نصيبها(٥)
  فجاءت واللَّه بالسّحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغنّي الصوت بعد الصوت، وأغنّي أنا في خلال غنائها، فمرّ لنا أحسن ما مرّ لأحد. فإنا لكذلك إذ رفع / رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت منها من أعلى السرير إلى الأرض وتفتّت عودها ومرّت تعدو وتصيح، وبقيت أنا كالمنزوع الرّوح؛ ولم أشكّ في أنّ عينه
(١) لا تبعد: لا تهلك.
(٢) في جميع الأصول: «مبرات» بالباء، وهو تحريف.
(٣) جوّدت هنا: أسرعت. قال في «اللسان»: «يقال: جوّد في عدوه تجويدا».
(٤) في ب، س: «خيرا ما ترى أنا طلبت ...».
(٥) ورد هذا البيت في شرح «ديوان حماسة» أبي تمام (ص ٥٩٨ طبع أوروبا) هكذا:
وما هجرتك النفس أنك عندها ... قليل ولكن قل منك نصيبها