ذكر أمية بن أبي الصلت ونسبه وخبره
  تعبد والتمس الدين وطمع في النبوّة:
  قال الزّبير وحدّثني عمّي مصعب عن مصعب بن عثمان قال:
  كان أميّة بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبّدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفيّة، وحرّم الخمر وشكّ في الأوثان، وكان(١) محقّقا، والتمس الدّين وطمع في النبوّة؛ لأنه قرأ في الكتب أنّ نبيّا يبعث من العرب، فكان يرجو أن يكونه(٢). قال: فلمّا بعث النبيّ ﷺ قيل له: هذا الذي كنت تستريث(٣) وتقول فيه؛ فحسده عدوّ اللَّه وقال: إنّما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل اللَّه فيه ø: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناه ُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها}. قال: وهو الذي يقول:
  كلّ دين يوم القيامة عند اللَّه إلَّا دين الحنيفة زور
  كان يحرّض قريشا بعد بدر:
  قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد قال: كان أميّة يحرّض قريشا بعد وقعة بدر، وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر؛ فمن ذلك قوله:
  ماذا ببدر والعقن ... قل من مرازبة جحاجح(٤)
  / وقال: وهي قصيدة نهى رسول اللَّه ﷺ عن رواياتها. ويقال: إن أميّة قدم على أهل مكة «باسمك اللَّهمّ»؛ فجعلوها في أوّل كتبهم مكان (﷽).
  أسف الحجاج على ضياع شعره:
  قال الزّبير وحدّثني عليّ بن محمد المدائنيّ قال:
  قال الحجّاج على المنبر: ذهب قوم يعرفون شعر أميّة، / وكذلك اندراس الكلام.
  كان يتحسس أخبار نبيّ العرب فلما أخبر ببعثته تكدّر:
  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمر بن أبي بكر المؤمّلي(٥) وغيره قال:
  كان أميّة بن أبي الصلت يلتمس الدّين ويطمع في النبوّة، فخرج إلى الشأم فمرّ بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب وقريش، فقال أميّة: إنّ لي حاجة في هذه الكنيسة فانتظروني، فدخل الكنيسة وأبطأ، ثم خرج إليهم كاسفا متغيّر اللَّون، فرمى بنفسه، وأقاموا حتى سرّي عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم ثم رجعوا. فلمّا صاروا إلى الكنيسة قال لهم: انتظروني، ودخل إلى الكنيسة فأبطأ، ثم خرج إليهم أسوأ من حاله الأولى؛ فقال أبو سفيان بن حرب: قد
(١) في ح: «وصام محققا».
(٢) في جميع الأصول: «أن يكون هو».
(٣) تستريث: تستبطئ.
(٤) العقنقل: كثيب رمل ببدر. ومرازبة: جمع مرزبان، وهو الفارس الشجاع المقدّم على القوم دون الملك، وهو معرّب وأصله فارسي. وجحاجح: جمع جحجح، وهو السيد المسارع في المكارم.
(٥) كذا ورد هذا الاسم هنا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في «الطبري» (ص ١١١٦ قسم أوّل طبعة أوروبا) وأشير بهامشه إلى أن في بعض النسخ: «الموصلي». وفي م، ء هنا وفي جميع الأصول فيما يأتي (ص ١٢٥): «عمرو بن أبي بكر الموصلي».