9 - شيء من ذكر أبي هرمة
  فقال لي: مالك أخزاك اللَّه! من أخذ منها شيئا فهو له؛ فانتهبناها(١) حتى وقف الراعي وما معه منها شيء.
  وحدّثنا بهذا الخبر أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن أبيه:
  أن ابن هرمة كان اشترى غنما للربح(٢)، فلقيه رجل فقال له: ألست القائل:
  لا غنمي مدّ في الحياة لها ... إلا لدرك القرى ولا إبلي
  قال: نعم؛ قال: فو اللَّه إني لأحسبك تدفع عن هذه الغنم المكروه بنفسك، وإنك لكاذب؛ فأحفظه [ذلك](٣) فصاح: من أخذ منها شيئا فهو له؛ فانتهبها الناس جميعا؛ وكان ابن هرمة أحد البخلاء.
  أوّل شعر قاله ابن هرمة:
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكَّار قال حدّثني نوفل بن ميمون قال حدّثني زفر بن محمد(٤) الفهري: أن هذه القصيدة أول شعر قاله ابن هرمة.
  سمع مزيد بيتا له في الفخر فتهكم به:
  أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال قرأت على أبي: حدّثنا عبد اللَّه بن الوليد الأزديّ قال حدّثني جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين(٥) قال:
  سمع مزبد(٦) قول ابن هرمة:
  /
  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلَّا قريبة الأجل
  قال: صدق ابن الخبيثة، إنّما كان يشتري الشاة للأضحى فيذبحها من ساعته.
  ذهب إليه قوم من قريش للعبث به فكان بينهم حوار ظريف:
  أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد عن أبيه [عن عبد اللَّه بن الوليد عن جعفر بن محمد بن زيد عن أبيه](٧) قال:
  اجتمع قوم من قريش أنا فيهم، فأحببنا أن نأتي ابن هرّمة فنعبث به، فتزوّدنا زادا كثيرا ثم أتيناه لنقيم عنده، فلما انتهينا إليه خرج إلينا فقال: ما جاء بكم؟ فقلنا: سمعنا شعرك فدعانا إليك لما سمعناك قلت:
  /
  إنّ امرأ جعل الطريق لبيته ... طنبا(٨) وأنكر حقّه للئيم
(١) كذا في ح. وفي ط، ء: «فانتهبنا». وفي سائر الأصول: «فانتهبناها له ...».
(٢) كذا في ح، ط، ء. وفي سائر الأصول: «للذبح»، وهو تحريف.
(٣) زيادة عن ط، ء.
(٤) في ط، ء: «زفر بن الحارث الفهري».
(٥) كذا في ط، ء وهو الموافق لما جاء في كتاب «المعارف» لابن قتيبة (ص ١١١ طبع أوروبا). وفي سائر الأصول: «الحسن».
(٦) كذا في ط، ء وكتاب «البخلاء» للجاحظ (ص ٩ طبع أوروبا) و «عيون الأخبار» طبع دار الكتب المصرية (انظر مقدّمته ص م حاشية رقم ٣). وفي «شرح القاموس» (مادة زبد): مزبد كمحدث اسم رجل صاحب «النوادر»، وضبط كمعظم، ووجد بخط الذهبي ساكن الزاي مكسور العين. (باختصار). وفي سائر الأصول: «مزيد» بالياء المثناة التحتية، وهو تصحيف.
(٧) التكملة عن ط، ء.
(٨) الطنب (بضم النون وتسكينها): حبل الخباء والسرادق ونحوهما، وقد يستعار للطرف والناحية. فلعله يريد أنه أقام بيته على الطريق فكانت الطريق طرفا له. وفي الحديث: «ما بين طنبي المدينة أحوج مني إليها» أي ما بين طرفيها. وفي ح:
«ضرب الطريق ..... طزقا ...
إلخ.