أخبار معبد
٧ - أخبار معبد
  نسبه
  كان معبد اليقطينيّ غلاما مولَّدا خلاسيّا(١) من مولَّدي المدينة، اشتراه بعض ولد عليّ بن يقطين. وقد شدا(٢) بالمدينة، وأخذ الغناء عن(٣) جماعة من أهلها، وعن جماعة(٣) أخرى من علية المغنّين بالعراق في ذلك الوقت، مثل إسحاق وابن جامع وطبقتهما، ولم يكن فيما ذكر بطيّب المسموع، ولا خدم أحدا من الخلفاء إلا الرشيد، ومات في أيامه، وكان أكثر انقطاعه إلى البرامكة.
  خبره مع غلام من المدينة
  أخبرني عمّي الحسن بن محمّد قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن مالك الخزاعيّ قال: حدّثني معبد الصغير المغنّي مولى عليّ بن يقطين قال:
  كنت منقطعا إلى البرامكة، آخذ منهم وألازمهم. فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا بابي يدقّ، فخرج غلامي ثم رجع إليّ فقال: على الباب فتى ظاهر المروءة يستأذن عليك؛ فأذنت له. فدخل عليّ شاب ما رأيت أحسن وجها منه، ولا أنظف ثوبا، ولا أجمل زيّا منه، من رجل دنف عليه آثار السّقم ظاهرة، فقال لي: إنّي أرجو(٤) لقاك منذ مدّة فلا أجد إليه سبيلا، وإنّ لي حاجة. قلت: ما هي؟ فأخرج ثلاثمائة دينار فوضعها بين يديّ، ثم قال: أسألك أن تقبلها وتصنع في بيتين قلتهما لحنا تغنّيني به. فقلت: هاتهما، فأنشدهما، وقال:
  صوت
  واللَّه يا طرفي الجاني على بدني ... لتطفئنّ بدمعي لوعة الحزن
  أو لأبوحنّ حتّى يحجبوا سكني ... فلا أراه ولو أدرجت في كفني(٥)
  - والغناء فيه لمعبد اليقطيني ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى - قال: فصنعت فيهما لحنا ثم غنّيته إيّاه؛ فأغمي عليه حتى ظننته قد مات. ثم أفاق فقال: أعد فديتك! فناشدته اللَّه في نفسه وقلت: أخشى أن تموت. فقال:
  هيهات! أنا أشقى من ذاك. وما زال يخضع لي ويتضرّع حتى أعدته، فصعق صعقة أشدّ من الأولى، حتى ظننت أنّ نفسه قد فاظت. / فلما أفاق رددت الدنانير عليه ووضعتها بين يديه، وقلت: يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عنّي؛ فقد
(١) الحلاسي: الولد بين أبوين أبيض وأسود.
(٢) في الأصول «شذا» وهو تصحيف.
(٣) في الأصول: «من جماعة».
(٤) في ج: «أخاف» وهو خطأ.
(٥) سكني: محبوبي الَّذي أسكن إليه.