كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد

صفحة 304 - الجزء 18

٤ - ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد⁣(⁣١)

  كانت مولاة ليحيى بن خالد البرمكي

  كانت دنانير مولاة يحيى بن خالد البرمكيّ وكانت صفراء مولَّدة، وكانت من أحسن الناس وجها وأظرفهنّ وأكملهنّ أدبا وأكثرهنّ رواية للغناء والشعر، وكان الرشيد لشغفه بها يكثر مصيره⁣(⁣٢) إلى مولاها ويقيم عندها ويبرّها⁣(⁣٣) ويفرط، حتى شكته زبيدة إلى أهله وعمومته، فعاتبوه على ذلك.

  لها كتاب في الأغاني

  ولها كتاب مجرّد في الأغاني مشهور، وكان اعتمادها في غنائها على ما أخذته من بذل وهي خرّجتها، وقد أخذت أيضا عن الأكابر الذين أخذت بذل عنهم مثل: فليح، وإبراهيم، وابن جامع، وإسحاق، ونظرائهم.

  أخبرني جحظة، قال: حدّثني المكَّيّ عن أبيه قال:

  كنت أنا وابن جامع نعايي⁣(⁣٤) دنانير جارية البرامكة، فكثيرا ما كانت تغلبنا.

  عرضت على إبراهيم الموصلي صوتا من صنعتهما فأعجبه

  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ، عن ابن شبّة، قال: حدثني إسحاق الموصليّ، قال: قال لي أبي: قال لي يحيى بن خالد: إن ابنتك دنانير قد عملت صوتا اختارته وأعجبت به، فقلت لها: لا يشتدّ إعجابك حتى تعرضيه على شيخك، فإن رضيه فارضيه لنفسك، وإن كرهه فاكرهيه، فامض حتى تعرضه عليك. قال: فقال لي أبي: فقلت له: أيها الوزير فكيف إعجابك أنت به؟ فإنك واللَّه ثاقب الفطنة صحيح التّمييز⁣(⁣٥)، قال: أكره أن أقول لك: أعجبني فيكون عندك غير معجب؛ إذ كنت عندي رئيس صناعتك، تعرف منها ما لا أعرف، وتقف من لطائفها على ما لا أقف، وأكره / أن أقول لك: لا يعجبني، وقد بلغ من قلبي مبلغا محمودا، وإنما يتمّ السرور به إذا صادف ذلك منك استجادة وتصويبا. قال: فمضيت إليها، وقد تقدم إلى خدمه يعلمهم أنه سيرسل بي إلى داره، وقال لدنانير: إذا جاءك إبراهيم فاعرضي عليه الصوت الذي صنعته واستحسنته، فإن قال لك: أصبت سررتني بذلك، وإن كره فلا تعلميني. لئلا يزول سروري بما صنعت. قال إسحاق: قال أبي: فحضرت الباب فأدخلت، وإذا الستارة قد نصبت، فسلَّمت على الجارية من وراء الستارة، فردّت السلام، وقالت: يا أبت أعرض عليك صوتا قد تقدّم لا شكّ


(١) ب، «الدر المنثور»: عقيل.

(٢) هب، «المختار»: «مسيره».

(٣) هب، «المختار»: «ويقيم عنده ويبره».

(٤) عايا فلانا: ألقى عليه كلاما لا يهتدي لوجهه. وفي هب، ب، بيروت: «نعاني».

(٥) هب، ف: «ثاقب الرأي عالي الفطنة».