كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر لحبابة مع ابن عائشة

صفحة 433 - الجزء 20

٢١ - خبر لحبابة مع ابن عائشة⁣(⁣١)

  تشتاق حبابة إلى ابن عائشة فتحتال لتسمع غناءه:

  أخبرني الحسن بن يحيى وابن أبي الأزهر، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن المدائنيّ، قال:

  كانت حبابة جارية يزيد بن عبد الملك معجبة بغناء ابن عائشة، وكان ابن عائشة حديث السن، فلما طال عهدها به اشتاقت إلى أن تسمع غناءه، فلم تدر كيف تصنع، فاختلفت هي وسلَّامة في صوت لمعبد، فأمر يزيد بإحضاره ووجّه في ذلك رسولا، فبعثت حبابة إلى الرسول سرّا فأمرته أن يأتي ابن عائشة وأمير المدينة في خفاء، ويبلغهما رسالتها بالخروج مع معبد سرّا، وقالت: قل لهما يستران ذلك عن أمير المؤمنين.

  فلما قدم الرسول إلى عامل المدينة أبلغه ما قالت حبابة، فأمر ابن عائشة بالرحلة مع معبد، وقال لمعبد: انظر ما تأمرك به حبابة فانتبه إليه، فقال: نعم، فخرجا حتى قدما على يزيد، وبلغ الخبر حبابة فلم تدر كيف تصنع في أمر ابن عائشة. فلما حضر معبد حاكمت سلَّامة إليه، فحكم لها، فاندفعت فغنت صوتا لابن عائشة، وفيه لابن سريج لحن، ولحن ابن عائشة أشهرهما، وهو:

  أشارت بطرف العين خيفة أهلها

  فقال يزيد: يا حبيبتي؛ أنّي لك هذا ولم أسمعه منك، وهو على غاية الحسن؟ إنّ لهذا لشأنا، فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا لحن كنت أخذته عن ابن عائشة، قال: ذلك الصبي! قالت: نعم، وهذا أستاذه - وأشارت بيدها إلى معبد - فقال لمعبد: أهذا لحن ابن عائشة أو انتحله؟ فقال معبد: هذا - أصلح اللَّه الأمير - له، فقال يزيد: لو كان حاضرا ما كرهنا أن نسمع منه، فقال معبد: هو واللَّه معي لا يفارقني، فقال يزيد: / ويلك يا معبد! احتملنا الساعة أمرك، فزدتنا ما كرهنا، ثم قال لحبابة: هذا واللَّه عملك، قالت: أجل يا سيدي، قال لها: هذه الشام، ولا تحتمل لنا ما تحتمله المدينة. قالت: يا سيدي أنا واللَّه أحب أن أسمع من ابن عائشة، فأحضر، فلما دخل قال له: هات صوتا غنته حبابة:

  أشارت بطرف العين خيفة أهلها

  فغنّاه، فقال: هو واللَّه يا حبابة منه أحسن منك، قالت: أجل يا سيدي، ثم قال يزيد: هات يا محمد ما عندك، فغنى:

  صوت

  قف بالمنازل قبل أن نتفرقا ... واستنطق الربع المحيل المخلقا


(١) هذا الخبر ممّا لم يرد في بولاق، وورد في ملحق برنو، وموضعه هنا.