كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيدة الطنبورية

صفحة 411 - الجزء 22

٢٠ - أخبار عبيدة الطنبورية

  نشأتها

  كانت عبيدة من المحسنات المتقدّمات في الصنعة والآداب يشهد لها بذلك إسحاق وحسبها بشهادته. وكان أبو حشيشة⁣(⁣١)، يعظَّمها، ويعترف لها بالرياسة والأستاذية، وكانت / من أحسن الناس وجها، وأطيبهم صوتا.

  ذكرها جحظة في كتاب الطَّنبوريين والطَّنبوريات، وقرأت عليه خبرها فيه فقال: كانت من المحسنات، وكانت لا تخلو من عشق، ولم يعرف في الدنيا امرأة أعظم⁣(⁣٢) منها في الطنبور، وكانت لها صنعة عجيبة، فمنها في الرمل:

  كن لي شفيعا إليكا ... إن خفّ ذاك عليكا

  وأعفني من سؤالي ... سواك⁣(⁣٣) ما في يديكا

  يا من أعزّ وأهوى ... مالي أهون عليكا؟

  تغنى بحضرة إسحاق وهي لا تعرفه

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: قال، لي عليّ بن الهيثم اليزيديّ:

  كان أبو محمد - يعني أبي | إسحاق بن إبراهيم الموصليّ - يألفني ويدعوني، ويعاشرني، فجاء يوما إلى أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم فلم يصادفه، فرجع ومرّ بي، وأنا مشرف من جناح لي، فوقف وسلَّم عليّ.

  وأخبرني بقصته، وقال؛ هل تنشط اليوم للمسير إليّ؟ فقلت له: ما على الأرض⁣(⁣٤) / شيء أحبّ إليّ من ذلك، ولكني أخبرك بقصتي، ولا أكتمك. فقال: هاتها، فقلت: عندي اليوم محمد بن عمرو بن مسعدة وهارون بن أحمد ابن هشام، وقد دعونا عبيدة الطَّنبورية، وهي حاضرة، والساعة يجيء الرجلان، فامض في حفظ اللَّه، فإني أجلس معهم حتى تنتظم أمورهم، وأروح إليك، فقال لي: فهلَّا عرضت عليّ المقام عندك؟ فقلت له: لو علمت أن ذلك مما تنشط له واللَّه لرغبت إليك فيه، فإن تفضلَّت بذلك كان أعظم لمنّتك، فقال: أفعل، فإني قد كنت أشتهي أن أسمع عبيدة، ولكن لي عليك شريطة، قلت: هاتها، قال: إنها إن عرفتني وسألتموني أن أغنّي بحضرتها لم يخف عليها أمري وانقطعت فلم تصنع شيئا، فدعوها على جبلَّتها⁣(⁣٥)، فقلت: أفعل ما أمرت به، فنزل وردّ دابته وعرّفت صاحبيّ ما جرى، فكتماها أمره وأكلنا ما حضر، وقدّم النبيذ، فغنت لحنا لها تقول:


(١) هو محمد بن علي بن أبي أمية كان نديم الخلفاء وله كتاب في الطنبوريين أجاد فيه.

(٢) كذا في ف وهج وفي النسخ الأخرى: «أعطره».

(٣) ف «سؤال».

(٤) في هد: «ما في الأرض».

(٥) في هد، هج، ف: «على جملتها».