الرد على الشبه
  متحرك شاهدا كان أو غائبا إلا وقد حصل متحركا مع الجواز، فلم يكن بد من إثبات حركة، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه لا يمكن أن يقال ما من عالم إلا وقد حصل عالما مع الجواز حتى يجب إثبات العلم، فالفرق بينهما ظاهر.
  وأما ما ذكره في الأسود فأبعد، لأن الحال في ذلك إنما يختلف من حيث أن المرجع بالأسود إلى محل حله السواد، وكان السواد كالحقيقة في ذلك، والحقائق لا تختلف، بخلاف مسألتنا، فإن العلم ليس بحقيقة في كونه عالما.
  وأما ما ذكروه في الفاعل فلا يصح أيضا، لأن الفاعل ليس له بكونه فاعلا حال، حتى يقال إنه إنما يستحق تلك الحال لأمر دون أمر، وليس كذلك في العالم فإن له بكونه عالما حالا. على أن وقوع الحقيقة من جهة القادر، كالحقيقة في كونه فاعلا، فلذلك لم يختلف، وكذا الكلام في الجسم.
  وأما ما قالوه من أن العلم علة في كون الذات عالما، والعلة يجب فيها الطرد والعكس، وهذا يوجب في كل عالم أن يكون عالما بعلم، وقياس ذلك على الحركة، فإنها لما كانت علة في كون الجسم متحركا وجب فيها الطرد والعكس، حتى وجب في كل متحرك أن يكون متحركا بحركة، قلنا: هذا الذي ذكرتموه لا يصح، لأن ذلك إنما وجب في كون الجسم متحركا، لا لأن العلة يجب فيها الطرد والعكس، بل لأنه ما من جسم إلا وقد حصل متحركا مع جواز أن لا يحصل متحركا، والحال واحدة والشرط واحد، فلا بد من إثبات حركة، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه لا يمكن أن يقال ما من عالم إلا وقد حصل عالما مع جواز أن لا يحصل كذلك، لأن هذه الصفة واجبة للّه تعالى، ففارق أحدهما الآخر.
  فإن قالوا: الذي يدل على ما ذكرناه، السواد، فإنه لما كان علة في كون الأسود أسودا اطرد وانعكس، قلنا: هذا لا يصح، لأن ذلك إنما وجب لا لأن السواد علة، والعلة تطرد وتنعكس، بل لأن المرجع بالأسود إلى محل حله السواد فلا يختلف شاهدا وغائبا. يبين ذلك، أن الأسود ليس بكونه أسود حال حتى يعلل بوجود السواد فيه، فيفسد ما أورده.
  ومن هذا الضرب قولهم: إن العالم لا بد له من حقيقة، فلا يخلو، إما أن تكون حقيقته، من يصح منه إيقاع الفعل على وجه الأحكام والاتساق على ما ذكرتموه، وذلك ليس بصحيح، لأن أحدنا مع كونه عالما بفعل الغير لا يصح منه إيقاعه على وجه