شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الرد على الشبه

صفحة 136 - الجزء 1

  الإحكام والاتساق. فلم يبق إلا أن تكون حقيقته من له العلم على ما نقوله.

  والأصل في الجواب عن ذلك، هو أن يقال لهم: هذا توصل بالعبارات إلى المعاني، وذلك مما لا يجوز لما سنبينه من بعد.

  وبعد فما أنكرتم أن حقيقة العالم من يصح منه إيقاع الفعل محكما متسقا إذا كان قادرا عليه، فلا يلزم على هذا فعل الغير لأنه ليس بقادر عليه، حتى لو قدر عليه لأمكنه إيقاعه على وجه الإحكام والاتساق.

  وبعد، فلو كان حقيقة في العالم: لوجب فيمن علم أحدهما أن يعلم الأخر في الحد والمحدود، ومعلوم أن في الناس من يعلم العالم عالما وإن لم يعلم العلم، كالأصم ونفاة الأعراض وغيرهم، فإنهم علموا العالم عالما وإن لم يخطر ببالهم العلم.

  وعلى أنهم إذا فسروا العالم بمن له العلم، والعلم مما يوجب كون الذات عالما، فقد أحالوا أحد المجهولين إلى الآخر.

  ومن هذا الضرب قولهم: قد ثبت أنه تعالى عالم، والعالم مشتق من العلم، فيجب أن يكون عالما بعلم. وصار هذا كالضارب، فإنه لما كان مشتقا من الضرب، وجب في كل ضارب أن يكون ذا ضرب، كذلك في مسألتنا.

  قلنا: هذا توصل بالعبارات إلى المعاني وذلك على الواجب. يبين ذلك أن الشيء يعلم أولا ثم يعبر عنه بعبارة، وأنتم قد عكستم هذه القضية.

  وبعد فلو لم يخلق اللّه تعالى العرب، أو خلقهم خرسا، أليس كان يلزمكم أن تعلموه عالما بعلم، فبأي شيء كنتم تستدلون على ذلك والحال ما قلناه؟

  وبعد، فلو كان العالم مشتقا من العلم، لوجب أن يسبق العلم بالمشتق منه على العلم بالمشتق، كما في الضارب، فإنه لما كان مشتقا من الضرب سبق العلم بالمشتق منه على العلم بالمشتق، حتى ما لم نعلم وقوع الضرب من قبله لم نعلمه ضاربا، فكان يجب مثل ذلك في مسألتنا.

  والمعلوم أنهم لا يعرفون العلم معنى يوجب كون الذات عالما، وإنما يستعملون هذه اللفظة في العالم مرة، وفي المعلوم مرة أخرى. يقولون: جرى هذا بعلمي، أي وأنا عالم به. وربما يقولون هذا علم أبي حنيفة وعلم الشافعي، أي معلومهما، فكيف يقال: إن قولنا عالم مشتق من العلم.