شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الخلاف في هذه المسألة:

صفحة 145 - الجزء 1

  وإن كان خلافه من طريق المعنى، فالكلام عليه هو أنه تعالى لو كان جسما لكان محدثا، وقد ثبت قدمه لأن الأجسام كلها يستحيل انفكاكها من الحوادث التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون، وما لم ينفك من المحدث يجب حدوثه لا محالة.

  ويمكن إيراد هذه الجملة على وجه آخر، فنقول: لو كان اللّه تعالى جسما - ومعلوم أن الأجسام كلها متماثلة - لوجب أن يكون اللّه تعالى محدثا مثل هذه الأجسام والأجسام قديمة مثل اللّه تعالى، لأن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث، وقد عرف خلافه.

  فإن قيل: دلوا على أن الأجسام متماثلة ليتم ما ذكرتم. قيل له: الدليل على ذلك، هو أن الأجسام لو لم تكن متماثلة لكانت مختلفة إذ لا واسطة بينهما، فكان يجب افتراقهما في صفة الافتراق في تلك الصفة يكشف عن الاختلاف، ومعلوم أنها لا تفترق في صفة الافتراق فيها يكشف على الاختلاف، فيجب أن نقضي بتماثلها.

  فإن قال: ولم قلتم ذلك، وما أنكرتم أنها افترقت في صفة الافتراق فيها ينبئ عن الاختلاف. قلنا: لأن ما يجب لهذا الجوهر في كل حال، يجب لسائر الجواهر في سائر الأحوال، وما يجب لهذا بشرط يجب لسائرها كذلك، وما يصح على هذا الجوهر يصح على سائرها، وما يستحيل على هذا الجوهر يستحيل على الكل، فصح أنها تفترق في صفة الافتراق فيها ينبئ عن الاختلاف.

  بيان ذلك، أنه لما وجب كون الجوهر جوهرا في سائر الأحوال وجب ذلك في الجواهر كلها، ولما وجب كونه متميزا بشرط الوجود وجب ذلك في سائر الجواهر، ولما صح كونه كائنا في هذه الجهة بدلا من كونه كائنا في الجهة التي هو فيها صح ذلك في كل جوهر، ولما استحال في هذا الجوهر أن يكون في هذه الجهة وفي غيرها دفعة واحدة استحال ذلك في كل جوهر، فصح ما قلناه: من أن الجواهر لم تفترق في صفة الافتراق فيها يكشف عن الاختلاف.

  فإن قيل: أليس أن بعض الأجسام أسود وبعضها أبيض، فكيف يصح قولكم:

  إنها لم تفترق في صفة تنبئ عن الاختلاف، وهل قضيتم باختلاف هذين الجسمين لافتراقهما في هذا الوجه؟ قلنا: إن هذا الافتراق ليس براجع إلى الجسمين، وإنما يرجع إلى ما يحلهما. يبين ذلك أن الأسود ليس له بكونه أسود حال، ولا الأبيض