شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

بين العام والخاص في مجال التدليل على رؤية الله أو عدمها.

صفحة 164 - الجزء 1

  وأما ما قالوه من أن النظر إذا علق بالوجوه وعدي بإلى لم يحتمل إلا الرؤية فسنتكلم عليه إن شاء اللّه تعالى.

  فإن قيل: النظر المذكور في الآية إذا لم يفد الرؤية فما تأويل الآية؟

  قيل له: قد قيل إن النظر المذكور هاهنا بمعنى الانتظار، فكأنه تعالى قال: وجوه يومئذ ناضرة لثواب ربها منتظرة، والنظر بمعنى الانتظار قد ورد قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}⁣[البقرة: ٢٨] أي فانتظار، وقال جل وعز فيما حكى عن بلقيس {فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}⁣[النمل: ٣٥] أي منتظرة.

  وقال الشاعر:

  فإن بك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غدا لناظره قريب

  أي لمنتظر.

  وقال آخر:

  وإن امرأ يرجو السبيل إلى الغنى ... بغيرك عن حد الغنى حد جابر

  تراه على قرب وإن بعد المدى ... بأعين آمال إليك نواظر

  وقال آخر:

  وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص

  وقال الخليل: إنما يقال انظر إلى اللّه تعالى وإلى فلان من بين الخلائق، أي انتظر خبره ثم خبر فلان.

  فإن قيل: النظر إذا عدي بإلى كيف يجوز أن يكون بمعنى الانتظار؟ قلنا: كما قال اللّه تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}⁣[البقرة: ٢٨٠]، ذكر النظر وعداه بإلى وأراد به الانتظار، كما يقول العرب على ما قاله الخليل:

  إني إليك لما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى الغني الموسر

  فإن قيل: النظر إذا علق بالوجه وعدي بإلى فكيف يراد به الانتظار؟ قلنا: إن ذلك غير ممتنع وعلى هذا قول الشاعر:

  وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص

  على أن إلى في الآية على ما قيل، هو حرف الجر ولا حرف البعدية، وإنما هو