شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

بين العام والخاص في مجال التدليل على رؤية الله أو عدمها.

صفحة 165 - الجزء 1

  وأحد الآلاء التي هي النعم، فكأنه تعالى قال: وجوه يومئذ ناظرة آلاء ربها منتظرة، ونعمه مترقبة.

  وقد أجاب شيخنا أبو عبد اللّه البصري، بأن النظر إذا كان بمعنى تقليب الحدقة الصحيحة يعدى بإلى، فكذلك إذا كان الانتظار لا يمتنع أن يعدى بإلى لأن المجازات يسلك بها مسلك الحقائق، وهذا إشارة إلى أن النظر بمعنى الانتظار مجاز وحقيقته تقليب الحدقة، وليس كذلك، لأن النظر لفظة مشتركة بين معان كثيرة على ما مر.

  وبعد: فلو جاز أن يعلق النظر بالعين ويراد به الانتظار، لجاز أن يعلق به الوجه أيضا ويراد به الانتظار، ومعلوم أنهم يعلقون النظر بالعين ويعدونه بإلى ويريدون به الانتظار.

  وعلى هذا قال الشاعر:

  تراه على قرب وإن بعد المدى ... بأعين آمال إليك نواظر

  على أن الوجه هاهنا ليس بمقصود، وإنما المقصود صاحب الوجه قال اللّه تعالى:

  {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ٢٤ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ٢٥} ومعلوم أن الوجوه لا تظن وإنما أصحاب الوجوه يظنون.

  هذا هو التأويل الأول والكلام عليه.

  وأما التأويل الثاني، فهو أن النظر بمعنى تقليب الحدقة الصحيحة، فكأنه تعالى قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢} ذكر نفسه وأراد غيره، كما قال في موضع آخر {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢] أي أهل القرية، وقال: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي} أي إلى حيث أمرني ربي، وقال: {وَجاءَ رَبُّكَ}⁣[الفجر: ٢٢] أي وجاء أمر ربك، وقال عنترة:

  هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

  أي أرباب الخيل، وقال آخر:

  سل الربع أني يممت أم مالك ... وهل عادة للربع أن يتكلما

  وكلا التأويلين مرويان عن أمير المؤمنين #، وعن عبد اللّه بن عباس، وجماعة من الصحابة والتابعين.

  قالوا على التأويل: إن هذه الآية وردت في شأن أهل الجنة فكيف يجوز أن يكون بمعنى الانتظار، لأن الانتظار يتضمن الغم والمشقة، ويؤدي إلى التنغيص