الموانع ضربان: إحداهما يمنع بنفسه والثاني يمنع بشرط
  فإن قيل: كيف قلتم إن البعد المفرط منع؟ مع أنا نرى السماء وما فيها من الكواكب، نحو زحل وغيره من النجوم؟ قلنا: إنا إنما نرى السماء على بعد لأنها تختفي بجرم عظيم وضوء كثيف، فلا جرم أن هذا القدر من البعد لا يثبت في حقه بعدا مفرطا. وبعد فإن زحل ليس في الجرم والعظم بهذه المنزلة التي نراها، لا ذلك إلا لبعده عنا.
  فإن قيل: كيف قلتم إن كون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي منع، ومعلوم أن أحدنا يرى وجهه في المرآة مع أنه في غير جهة محاذاة الرائي؟ قلنا: إنا قد أجبنا عن هذا من قبل وتكلمنا عليه.
الموانع ضربان: إحداهما يمنع بنفسه والثاني يمنع بشرط
  واعلم أن الموانع على ضربين: أحدهما يمنع بنفسه والثاني يمنع بشرط، أما المانع بنفسه، فهو كالحجاب، وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي. وأما المانع بشرط، فهو على قسمين: أحدهما ما يمنع لأمر يرجع إلى الرائي، والثاني ما يمنع لأمر يرجع إلى المرئي. ما يرجع إلى الرائي فهو كالرقة واللطافة، فإنه إنما يمنع لأمر يرجع إلى الرائي وهو ضعف الشعاع. وأما ما يرجع إلى المرئي، فنحو البعد المفرط فإنه إنما لا يرى لبعده حتى لو قرب لرئي.
  فصار الحال في المنع عن الرؤية كالحال في المنع عن الفعل، فكما أن المنع عن الفعل على قسمين، أحدهما، يمنع بنفسه وذلك كالقيد وما يجري مجراه، والآخر، يمنع بشرط. ثم ما يمنع بشرط على ضربين، أحدهما، يرجع إلى الفاعل وذلك نحو قلة القدر والضعف، والآخر يرجع إلى الفعل، نحو كثرة الثقل فيه، كذلك الموانع عن الرؤية.
  فإن قيل: ما أنكرتم أنا إنما لا نرى القديم تعالى لمانع غير معقول؟ قلنا: لأن إثبات ما لا يعقل يفتح باب الجهالات، ويلزم عليه جواز أن يكون بحضرتنا أجسام عظيمة ونحن لا نراها لمانع غير معقول، ويلزم مثل ذلك في المعدوم، ومعلوم خلافه.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن المانع من رؤية اللّه تعالى هو أنه تعالى لم يشأ أن يرينا نفسه، ولو شاء لرأيناه؟ قلنا: المشيئة إنما تدخل فيما يصح دون ما يستحيل، وقد بينا أن الرؤية تستحيل عليه تعالى فلا يعلم ما ذكرتموه. وبعد، فلو جاز ذلك في القديم تعالى لجاز مثله في المعدوم، فيقال: إن المعدوم إنما لا يرى لأنه تعالى لا يشاء أن