شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المخالفين من جهة العقل

صفحة 183 - الجزء 1

  المعدومات لأن الرؤية مستحيلة على المعدومات، قلنا: وكذلك القديم تعالى تستحيل عليه الرؤية، فلا يجب أن يرى نفسه فيما لم يزل.

  ومما يتعلقون به، قولهم: قد ثبت أن اللّه تعالى راء لغيره فيجب أن يرى نفسه، لأن العلة في صحة أن يرى غيره هي العلة في صحة أن يرى نفسه دليله الشاهد، فإن كل من صح أن يرى غيره يصح أن يرى نفسه، ومن لم يصح أن يرى غيره لم يصح أن يرى نفسه، والعلة هو ما يثبت الحكم بثباته ويزول بزواله، ولم يكن هناك ما تعليق الحكم عليه أولى، وفي مسألتنا ما تعليق الحكم عليه، فلا يصح ما ذكرتموه.

  وبعد، فإن هذا قياس الرائي على المرئي، وأحدهما مباين للآخر، لأن الرائي إنما يصح أن يرى الشيء لكونه حيا بشرط صحة الحاسة، والمرئي إنما يرى لكونه مرئيا في نفسه بشرط أن يكون موجودا في الحال، وليس كذلك القديم تعالى، فلا يصح ما أوردتموه. وهل هذا إلا كأن يقال: إن من كان حيا، كما يجب أن يكون رائيا للشيء، يجب أن يكون مرئيا، فكما أن هذا خلف من الكلام، كذلك هنا، لأن المعلوم أن الشيء لا يرى لكونه حيا وإنما يرى لكونه على الصفة التي يتعلق بها الإدراك، والرائي إنما يرى الشيء لكونه حيا. وبعد، فما أنكرتم أن الواحد منا إنما يصح أن يرى نفسه لأنه مما تصح رؤية، وليس كذلك القديم تعالى لأن الرؤية مستحيلة عليه، ففارق أحدهما الآخر.

  ومما يتعلقون به أيضا، قولهم: قد ثبت أن القديم تعالى موجود، فيجب أن يكون مرئيا.

  وجوابنا عن ذلك هو أن نقول: ولم قلتم: إن ما كان موجودا يجب أن يكون مرئيا؟ فإن قالوا: لأن مصحح الرؤية إنما هو الوجود، بدليل أن الشيء متى كان موجودا كان مرئيا، ومتى لم يكن كذلك لم يكن مرئيا، وبهذه الطريقة يعلم تأثير المؤثرات من المصحح وغير المصحح. قلنا: كيف يصح قولكم إن الشيء متى كان موجودا يرى، ومعلوم أن كثيرا من الموجودات لا ترى، كالإرادات والكراهات وغير ذلك؟ ثم نقول لهم: ولم قلتم إنه إذا لم يكن موجودا لم يصح أن يرى، أوليس عندكم أنه يجوز أن يرى المعدومات بأن يخلق اللّه تعالى الإدراك المتعلق بها؟ ثم يقال لهم: كيف يصح قولكم إن المصحح للرؤية إنما هو الوجود، ومعلوم أن الشيء عندما تصح رؤيته كما تتجدد له صفة الوجود تتجدد له صفات أخرى، فليس بأن تجعل الصفة المصححة للرؤية هي الوجود، أولى من أن تجعل الصفات الأخر، فما أنكرتم أن