شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أحد ما يدل على أن الله لا يخلق أفعال العباد أن فيها ظلما وجورا وهذا لا يصح على الله:

صفحة 232 - الجزء 1

  للوجهين المتقدمين. ولا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور به، لا يكون في الحكم كأنه من جهة غير فاعل الضرر.

  لا بد من اعتبار هذه الشرائط: من أن لا يكون فيه نفع ولا دفع ضرر، لا معلوما ولا مظنونا ولا استحقاقا، لأن أحدنا لو كلف الأجير العمل بالأجرة لا يكون ظالما لما كان في مقابلته من النفع ما يوازيه، وكذلك فإن من شرط إذن الصبي دفعا للضرر عنه لا يكون ظلما لتضمنه دفع الضرر عنه، وكذلك فإن ذم المسئ والمرتكب للقبيح لا يكون ظلما لأنه مستحق.

  وقولنا: ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين، فمن أجل أنه لا فرق بين أن يكون النفع ودفع الضرر معلوما وبين أن يكون مظنونا، ألا ترى أنه يحسن من أحدنا أن يكلف ولده الاختلاف إلى المكتب وإن شق ذلك عليه لا يكون ذلك منه ظلما، لما كان في مقابلته نفع مظنون أو دفع ضرر مظنون، فصح أنه لا بد من اعتبار أن يكون الفعل ضررا لا نفع فيه، ولا دفع ضرر، ولا استحقاق، ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين حتى يكون ظلما.

  وكما لا بد من اعتبار ذلك، فلا بد من أن لا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور به، لأنه لو كان كذلك لم يكن ظلما. ألا ترى أن من حاول مال غيره أو ذمه فأتى عليه، فقتله دفعا، لم يكن ظالما له، لما كان ذلك الضرر كأنه حل به من قبله.

  وكما لا بد من اعتبار هذا الشرط، فلا بد من أن لا يكون في الحكم كأنه من جهة غير فاعل الضرر، لأنه لو كان بهذه الصفة لم يكن ظلما ألا ترى أنه تعالى لو أحرق صبيا ألقى به في النار، أو أماته وقد وضع تحت البرد لا يكون ظالما له، لما كان هذا الإحراق وهذه الإماتة في هذا الحكم كأنه من جهة غير اللّه تعالى.

  ولو قلت: إن الشرط الثاني، وهو أن لا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور به داخل فيما تقدم، لأن المدفوع مستحق لأن يدفع بما أمكن. وهكذا فلو جعله داخلا تحت الشرط الأخير لصح أيضا، لأن الإتيان عليه وقتله في الحكم كأنه من جهة غير فاعل الضرر. فهذا هو الكلام في حد وحقيقة الظلم.

  والذي يدل على ما ذكرنا، هو أنهم متى عرفوا الضرر على الوجوه التي بيناها سموه ظلما، ومتى لم يعرفوه على هذا الوجه لم يسموه ظلما.

  وعلى هذا فإنهم لما اعتقدوا حصول هذا الضرر على هذا الوجه من الحية