شبه القوم:
  الوجود وقتين مع تخلل العدم بينهما، فكذلك من غير تخلل العدم بينهما لأن وجوده لا يمنع من وجوده فيصير باقيا بعد ما كان مما لا يبقى، وفي ذلك خروج مما هو عليه في ذاته. وأما المفعول بسبب، فلو أعيد ابتداء للزم أن يكون له بالحدوث وجهان:
  فيحصل على أحد الوجهين بقادر، وعلى الآخر بقادر آخر. وإذا أعيد بسبب: فإما أن يعاد بذلك السبب ومن حقه أن يكون له في كل حال سبب غير ما كان، يجب أن يكون قد تعدى من واحد إلى ما زاد عليه ولا حاصر، فيؤدي إلى ما لا نهاية له. وإما أن يعاد بسبب غيره، وذلك يقتضي اجتماع سببين على توليد مسبب واحد، يؤدي إلى مقدور بين قادرين، وهذا مما لا يجوز.
  ومما يتعلقون به، قولهم: قد ثبت أنه تعالى قادر لذاته ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على سائر أجناس المقدورات، ومن جملة المقدورات أفعال العباد، فيجب أن يكون قادرا عليها، في ذلك ما نريده.
  الجواب، قلنا: لم وجب ذلك ومن أين ثبت؟ فإن قالوا الدليل على ذلك العلم، فإنه تعالى لما كان عالما لذاته كان عالما بجميع المعلومات فكذلك في القدرة، قلنا:
  هذا جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما فلا يقبل.
  ثم يقال لهم: ما أنكرتم أن العلة في العلم هو أن المعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض، فما من معلوم يصح أن يعلمه زيد إلا ويصح أن يعلمه عمرو وغيره من العالمين، فإذا كان كذلك فالقديم تعالى إذا صح أن يعلمه وجب أن نعلمه، لأن صفة الذات متى صحت وجبت، وليس كذلك المقدورات، فإنها مقصورة على بعض القادرين دون بعض، حتى لا يصح في مقدور زيد أن يقدر عليه غيره، ففارق أحدها الآخر. على أن هذا لازم لهم في الكسب، لأنه تعالى إذا كان قادرا لذاته وجب قدرته على سائر المقدورات، ومن المقدورات الكسب، فيجب أن يكون قادرا عليه، وذلك يوجب كونه مكتسبا.
  فإن قالوا: لا يجب أن يسمى القديم تعالى مكتسبا، لأن الكسب اسم لمن يفعل الكسب بآلة، والقديم تعالى لم يفعله بآلة.
  قلنا: قد ذكرنا أن الذي يستحقه الفاعل من الاسم يجب أن يجرى عليه، سواء فعله بآلة أو لم يفعله بآلة، فلا يصح ما ذكرتموه. وبعد، فإن مجرد الكسب مما لا يحتاج إلى آلة، وأكثر ما فيه أنه لا يوجد إلا في محل القدرة وليس إذا لم يوجد إلا في