شبه القوم:
  محل القدرة مما يجب أن يكون واقعا بآلة، لولا ذلك وإلا كان يجب أن تكون الحياة آلة في العلم، فإنه لا يصح وجود العلم إلا في محل فيه حياة، ولكان يجب في الجسم أن يكون آلة للأكوان، فإنها لا يصح وجودها إلا في محل، وهذا يوجب على مرتكبه القول بأنه تعالى فاعل بآلة، وقد عرف فساده.
  ومما يتعلقون به، قولهم: قد ثبت أن اللّه تعالى قادر على أن يقدرنا على هذه التصرفات، فيجب أن يكون عليها أقدر، كما أنه لما كان قادرا على أن يعلمنا هذه الأمور، كان بها أعلم.
  الجواب، قلنا: بأية علة جمعتم بينهما؟ فلا يجدون إلى ذلك سبيلا.
  ثم يقال لهم: ليس إذا قدر القادر على مقدور أن يكون قادرا على غيره من المقدورات، وليس في قدرته تعالى على إقدارنا على هذه التصرفات سوى كونه قادرا على خلق القدرة فينا، فمن أين يجب إذا قدر على القدرة أن يكون قادرا على تصرفاتنا؟ هذا مما لا يجب.
  فأما ما ذكروه في العلم، فإنما وجب أن يكون تعالى أعلم بسائر المعلومات منا لأنه عالم لذاته، والمعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض، فيجب في العالم للذات أن يعلمها على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها وإلا قدح في كونه عالما لذاته، وليس كذلك في القدرة، لما قد ذكرنا أن المقدورات مقصورة على بعض القادرين دون بعض. على أن هذا لازم لهم في الكسب، فيقال: أليس أنه تعالى يقدر على إقدارنا على الكسب وإن لم يقدر على الاكتساب، فهلا جاز مثله في الحدوث؟
  ومتى قالوا إنه تعالى قادر على الاكتساب، غير أنه لا يوصف به لأن هذا الوصف إنما يجري على من اكتسبه بآلة، قلنا: قد فرغنا من الكلام على هذا، فلا معنى للتطويل.
  ثم يقال لهم: أليس أنه تعالى قادر على أن يخلق في الكافر إرادة الإيمان ولم يقدر على أن يريد منه الإيمان؟ هلا جاز مثله في مسألتنا؟ وهذا الكلام للنجارية والأشعرية جميعا، لأن عند أحد الفريقين - وهم النجارية - أنه تعالى مريد لذاته ولا يقدر أن يريد تعالى من الكافر خلاف ما أراده في الأزل لاستحالة خروجه عن صفته الذاتية، وعند الفرقة الثانية وهم الأشعرية، أنه تعالى مريد بإرادة قديمة ولا يقدر على أن يريد من الكافر خلاف ما أراده منه فيما لم يزل.
  ومما يتعلقون به أيضا، قولهم: لو كان الواحد منا محدثا لتصرفاته لوجب أن