شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المخالفين:

صفحة 285 - الجزء 1

  فإن قالوا: إنه تعالى يريد فيما لم يزل أن لا يخلق العالم، قلنا: أن لا يخلق نفي، والإرادة لا تتعلق بالنفي على ما سيجيء في موضعه إن شاء اللّه تعالى. وبعد لو صح تعلق الإرادة بالنفي لصح تعلقها بالإثبات، فكان يصح أن يريد خلق العالم فيما لم يزل، وإذا صح، وجب قدم العالم.

  ثم يقال لهم: لا جاز فيما أثر في الصحة أن يكون هو الذي أثر في الوقوع وهو كونه قادرا، فلا يحتاج إلى أمر زائد. وكيف يجوز خلافه وذلك يقدح في كون الواحد منا متحيزا في أفعاله، ويوجب بطلان المدح والذم، وذلك محال.

  وأحد ما يتعلقون به في هذا الباب، هو أنهم قالوا: إنا نجد تفرقة بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية، ولا يمكن أن نرجع بهذه التفرقة إلا إلى أن أحدهما قد فارقته القدرة، بخلاف الأخرى.

  وجوابنا: أن هذه الطريقة لا تستقيم على أصولكم على ما سبق القول فيه. ثم يقال لهم: ما أنكرتم أن هذه التفرقة راجعة إلى أن أحدهما قد تقدمتها القدرة بخلاف الأخرى. ولا يجوز غير هذا، لأن في خلافه إخراج الواحد منا عن التحيز في الأفعال، وإبطال استحقاق المدح والذم على ما بيناه من قبل.

  وبهذا نجيب إذا قالوا: إنا نجد تفرقة بين الفعل الذي يستحق عليه المدح والذم، وبين الفعل الذي لا يستحق عليه ذلك ولا يمكن أن نرجع بهذه التفرقة إلا إلى أن أحدهما قد فارقته القدرة، والآخر لم تفارقه القدرة؛ فإنا نقول لهم: إن هذه التفرقة مع أنها لا تثبت على قولكم إن سائر الأفعال متعلقة بالقديم تعالى على سائر وجوهها وحقائقها، يمكن أن نرجع بها إلى أن أحدهما متعلق بالواحد منا لتقدم قدرته عليه دون الآخر، ففسد ما ذكرتموه.

  ومما يتعلقون به، قولهم: إن عند عدم القدرة يستحيل وقوع الفعل فيجب عند وجودها أن يكون واجبا، لأن الاستحالة والوجوب في طرفي نقيض.

  والأصل في الجواب، أن نقيض الاستحالة إنما هو الصحة لا الوجوب. ألا ترى أن عند عدم المحل يستحيل حلول السواد فيه، ثم إن عند وجود المحل لا يجب، وكذلك فإن عند عدم الذات يستحيل فيها التعلق، وعند وجوده لا يجب، فإن في الذات ما لا يتعلق. وكذلك فلو قدرنا أن يكون القديم تعالى غير قادر يستحيل عليه الفعل، ثم إذا كان قادرا لا يجب منه الفعل، وكذلك في مسألتنا.