شبه المخالفين:
  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: لو جاز الفعل بقدرة متقدمة لجاز بالقدرة المعدومة، بل كان يجوز في حالة العجز، ومعلوم خلافه.
  والأصل في الجواب عن ذلك، ما تريدون بقولكم: إنه لو جاز الفعل بقدرة متقدمة لجاز بالقدرة المعدومة؟ فإن أردتم به أن الفعل يصح بقدرة لم تكن موجودة قط، فإن ذلك لا يجب، وإن أردتم به أنه يصح بقدرة كانت موجودة ثم عدمت، فإن ذلك مما نرتكبه ونلتزمه فلا مانع لهذا الإلزام، وهذا ظاهر في أفعالنا، المباشر منها والمتولد.
  أما في المباشر، فلأن الفعل إنما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود، فلو لم تتقدمه، بل توجد في حالة وقوع الفعل، فإنه لا يحتاج إليها بل يستغنى عنها.
  وأما في المتولدات فأظهر، ألا ترى أن الرامي ربما يرمي ويخرج عن كونه قادرا قبل الإصابة، بل عن كونه حيا.
  وأما قولهم: بل كان يصح في حالة العجز، فإن أرادوا به أنه كان يصح في العجز ولما تقدمته القدرة فإن ذلك مما لا يجب، وإن أرادوا به وقد تقدمته قدرة فإنا نجوزه، ألا ترى أن الرامي قد يرمي ويعجز قبل مصادفة السهم رميته، فبطل كلامهم.
  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: لو جاز أن تكون القدرة متقدمة لمقدورها في وقت واحد لجاز أن تكون متقدمة في أوقات كثيرة، وهذا يقتضي أن ينفك لواحد منا من الأخذ والترك ويوجب أن يكلف ويخترم، وإن لم يستحق مدحا ولا ذما ولا ثوبا ولا عقابا بأن لا يفعل بما فيه من القدرة شيئا، وذلك يوجب أن يعيده اللّه تعالى في عرصات يوم القيامة ولا شيء له ولا عليه، وهذا خرق الإجماع وترك الكتاب، فقد قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى: ٧].
  والأصل في الجواب عن ذلك، أن لنا في هذا الباب مذهبين:
  أحدهما: مذهب أبي علي، وهو أنه لا يجوز خلو القادر بالقدرة من الأخذ والترك إلا عند مانع، ومذهبه مفارق لمذهب هؤلاء المجبرة، فإنهم لا يجوزون ذلك البتة من حيث اعتقدوا أنها موجبة.
  والثاني: مذهب أبي هاشم، وهو أنه يجوز خلو القادر بالقدرة من الأخذ