شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المخالفين:

صفحة 289 - الجزء 1

  زائد على كونه قادرا، كذلك في مسألتنا، وهكذا فلو خير بين دينارين وهما في الجودة والرداءة على سواء فإنه يختار أحدهما، ثم لا يقال: إنه لا بد هنا أمر زائد على كونه قادرا، فكذلك في مسألتنا.

  وأما قياس ذلك على الجوهر وكونه كائنا فلا يصح، إذ لدلالة قد دلت على أن التحيز غير كاف في اختصاصه ببعض الجهات دون البعض، لأنه ليس بأن يختص بهذه الجهة لتحيزه أولى من أن يختص بالجهة الأخرى، إذ لا يفعل في تأثيره سوى طريقة الإيجاب، وليس كذلك كونه قادرا، فإن تأثيره في الفعل على طريق الصحة، ففارق أحدهما الآخر.

  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: إن القدرة لو استحال الفعل بها في الحال، لكان لا يخلو: إما أن تكون هذه الاستحالة راجعة إلى القدرة أو إلى المقدور، وأي ذلك كان فهو ثابت في الحالة الثانية، فإما أن يقال: إنه يستحيل الفعل بها على كل حال، أو يقال: بمقارنتها للمقدور وصحة الفعل بها في الحال، على ما نقوله.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنا نعلم هذا الحكم ولا نعلله، لأنا بأي شيء عللناه فسد، وليس يجب في الأحكام كلها أن تكن معللة، بل الأصل فيه أن يعرض على وجوه التعليل، فإن قبل التعليل علل، وإن لم يقبل لم يعلل.

  ثم يقال لهم: ليس في هذا إلا استحالة الفعل بالقدرة في الحال، وليس يجب إذا استحال الفعل بها في الحال أن يستحيل أيضا في المستقبل، فإنك تعلم أن الاعتماد يستحيل أن يولد في الحال ثم يصح توليده في الثاني، وكذلك فالنظر يستحيل أن يولد العلم في الحال ويصح منه في الثاني.

  ثم يقال لهم: أليس أنه تعالى يستحيل أن يكون فاعلا فيما لم يزل؟ فلا يخلو، إما أن يكون ذلك لأمر يرجع إلى القدرة، أو لأمر يرجع إلى المقدور، وأي ذلك كان فهو ثابت فيما لا يزال، فيجب استحالة الفعل منه فيما لا يزال، فكما أنه لا بد من أن يقول إن هذا حكم لا يعلل، وكذلك نقول نحن.

  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: إن المتعلقات بالأغيار على اختلافها واختلاف أجناسها مشتركة في أنها لا تتعلق بالضدين، والقدرة من جملة المعاني المتعلقات بالأغيار فيجب أن لا تتعلق بالضدين، وكل من قال بأنها لا تتعلق بالضدين قال بأنها مقارنة للمقدور على ما نقوله. والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا باطل بالعجز،