شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

قولنا: الله مريد لا يعني كونه قادرا لا عالما

صفحة 294 - الجزء 1

  الإرادة.

  فإن قيل: ومن أين أن قولنا محمد رسول اللّه كما يجوز أن يكون خبرا عن محمد بن عبد اللّه يجوز أن يكون خبرا عن غيره من المحمدين؟ قلنا: لأنه لو لم يجز ذلك لارتفع التجوز عن الكلام وبطل، لأن التجوز هو أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له في الأصل، فمتى لم يجز استعمال اللفظ إلا على وجه واحد فقد بطل المجاز أصلا.

  فإن قيل: ولم قلتم: إن ذلك الأمر ليس إلا الإرادة؟ قلنا: لأنه لا يخلو، إما أن يكون راجعا إلى ذات الخبر وصفاته، وذلك لا يجوز، وإلا كان لا يجوز أن يقع مرة فيكون خبرا ويقع مرة أخرى فلا يكون كذلك، لأن هذا هو الواجب في الصفة التي تستحقها الذات لنفسها ولما هو عليه في نفسه كما قلنا في السواد، ألا ترى أن السواد لما استحق كونه سوادا لذاته، لم يجز أن يوجد مرة فيكون سوادا وأخرى فلا يكون سوادا.

  وبعد، فإن ذات الخبر وما هو عليه حاله مع هذا المخبر كحاله مع غيره من المخبرين، فكان يجب أن يكون خبرا عن سائر المخبرين، أو لا يكون خبرا عن واحد منهم، أما أن يكون خبرا عن البعض دون الثاني فلا.

  وبعد، فإن صفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل، فكان يجب في كل حرف من هذه الحروف أن يكون خبرا، وقد عرف خلافه.

  وهذه الوجوه التي ذكرناها كما تدل على أن الخبر لا يكون خبرا لذاته ولا لما هو عليه في ذاته، فإنها تدل على أنه لا يجوز أن يكون خبرا لوجوده أو لعدمه أو حدوثه، لأن حال هذه الأوصاف مع المخبر كحاله مع غيره، ولأنها ترجع إلى الآحاد والأفراد فكان يجب في كل حرف أن يكون خبرا على ما مر، ومعلوم خلافه.

  وفي العدم وجه آخر، وهو أنه يحيل الحكم، وما أحال الحكم لا يجوز أن يكون مؤثرا فيه، ألا ترى أن الموت لما أحال كونه عالما لم يجز أن يكون مؤثرا فيه، كذلك في مسألتنا، أو يكون راجعا إلى غيره، ثم لا يخلو إما أن يكون تأثيره على طريق الإيجاب فهو المعنى، وذلك المعنى إما أن يكون موجودا أو معدوما، وأي ذلك كان فإنه لا يجوز أن يؤثر فيه، لأن حاله مع بعض المخبرين كحاله مع سائرها.